"حماس" جعلت فقراء غزة "البقرة الحلوب" لتمويل حكمها
- لم تراع الضرائب التي فرضتها حماس الظروف الاجتماعية والاقتصادية في غزة بعد 10 سنوات من الحصار
- فاقمت الضرائب حالات الطلاق والسرقة والانتحار وزادت من فكرة الهجرة الجماعية للأسر
- توسعت "حكومة" حماس في فرض الضرائب على أهالي غزة بعد فقدان إيراداتها من الأنفاق
- طالت الضرائب الاحتياجات الضرورية مثل الأدوية والأغذية والخضار والفواكه.. وكل شيء
غزة- الحياة الجديدة- استمرار حماس في فرض الضرائب الأفقية التي تطال كافة فئات المجتمع في قطاع غزة بما فيها الفئات الفقيرة والمهمشة تسبب بانخفاض القدرة الشرائية وزيادة نسبة البطالة والفقر وسوء التغذية، ومع ذلك لم تكف الحركة عن هذه السياسة التي ألقت بظلال قاتمة على تمتع المواطن الغزي في كل ما يخص الحقوق الاجتماعية والاقتصادية خاصة أنها تأتي بعد قرارة 10 سنوات على الحصار الاحتلالي الذي تخللته 3 حروب. هذا ما خلصت إليه دراسة معمقة أجراها مركز الميزان لحقوق الانسان حول: "آثار السياسات الضريبية في قطاع غزة على الواقع الاقتصادي والاجتماعي".
وحذرت الدراسة من ان عدم تدارك الانحدار القائم في الواقع الاقتصادي والاجتماعي الحاصل حاليا، من خلال خطط وسياسات اقتصادية وتنموية عاجلة، قد ينذر بانهيار على كافة المستويات، وعندها تصبح محاولات إعادة المتوفي للحياة تتطلب المعجزات، وسيدفع كلفتها المجتمع الفلسطيني في المستقبل لسنوات طويلة.
وشددت الدارسة على أن الضرائب التي فرضتها حماس لم تراع لم الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها السكان في قطاع غزة، بالإضافة إلى أن الرسوم المفروضة شملت السلع الضرورية والكمالية. كما عززت إجراءات فرضت على التاجر مثل اذن الاستيراد الواجب الحصول عليه، وتوسيع نشاط سلطات الضريبة لتشمل كافة المكلفين بغض النظر عن حالة المكلف وأوضاعه المالية وأيضا دون الاكتراث بأثارها السلبية التي قد تظهر على المؤشرات الاقتصادية.
ويتضح أيضا أن الضريبة غير المباشرة هي الأكثر نشاطا وحركة في المجتمع والأكثر حساسية حيث تتم جبايتها من المستهلك النهائي، لتغطية النفقات التشغيلية والرواتب والنفقات الخدماتية الأساسية للمواطنين.
وجاء في نتائج الدراسة ان التدهور الحاصل في الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة تتجاوز في آثارها الخسائر المادية، لتخلق بيئة اجتماعية منتجة للمشكلات، ومنها مشكلات يصعب الحد منها، كتصاعد حالات الطلاق والسرقة والانتحار، وتنامي فكرة الهجرة الجماعية للأسر في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية واستمرار الانقسام، وتدهور حالة حقوق الإنسان بسبب تدهور الخدمات وتوسع ظاهرة البطالة لا سيما في أوساط الشباب وخاصة الخريجين الجامعيين.
محطات وتحولات
وكانت تجارة الأنفاق المنتشرة على الحدود المصرية الفلسطينية تساهم في تمويل "حكومة" حماس من خلال الرسوم والضرائب التي كانت تفرض على البضائع الواردة، التي شكلت نسبة 70% من وارداتها بعد انقلاب عام 2007، في حين شكلت الأموال المتقدفقة عليها (من قطر خصوصا) والجباية الداخلية باقي نسبة الايرادات.
وبعد هدم وإغراق مصر لأغلب الأنفاق الموجودة على حدودها مع قطاع غزة، فقدت حماس أهم مواردها المالية، ناهيك عن انحسار الدعم الخارجي لها، ما ألقى بظلاله على الوضع الاقتصادي للقطاع. وشجع فقدان الموارد القادمة من الأنفاق "حكومة" حماس على تكثيف الجباية وفرض الرسوم على البضائع والسلع للإيفاء بالتزاماتها المتمثلة في رواتب موظفيها والمصاريف التشغيلية.
وبعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني منتصف عام 2014، كانت حماس تتوقع ان تشكل الحكومة طوق نجاة وبديلا لتوفير رواتب موظفيها. وبعد حوالي (9) شهور من الانتظار صدر قرار علني بنية الحركة تفعيل نظام الضرائب على المكلفين. وقام نواب عن حماس بسن ما يسمى "قانون ضريبة التكافل".
وفي النصف الثاني من عام 2015، شرعت حماس عبر وزارتي المالية والاقتصاد في "حكومتها" بفرض وتفعيل الضرائب والرسوم على المكلفين، واستحدثت دائرة ضريبة القيمة المضافة مقرات جديدة وشرع الموظفون بتنفيذ زيارات ميدانية في مختلف مناطق قطاع غزة.
شهادات من الميدان
ووفقا للمتابعة الميدانية واللقاءات التي أجراها الباحثون من مركز الميزان مع التجار كانت الضرائب المفروضة على مختلف القطاعات، ومن الشهادات التي تم جمعها من تجار الملابس: "وصلت طواقم تابعة للإدارة العامة لضريبة القيمة المضافة إلى المحال التجارية في مخيم النصيرات ومدينة دير البلح، عند حوالي الساعة 12:00 ظهر يوم الخميس الموافق 7/1/2015، وسلموا عددا من أصحابها إخطارات تدعوهم إلى الحضور فورا إلى مقر الإدارة العامة لضريبة القيمة المضافة. وتكررت الزيارات عند حوالي الساعة 11:00 صباح يوم الأحد الموافق 10/1/2015، وسلمتهم إخطارات أخيرة تشير إلى أنه في حال التخلف عن الحضور سيتم فتح ملف ضريبي غيابيا، ووضع تقدير مالي غيابيا، وفرض غرامات وحجز وغيرها من الإجراءات القانونية والعقوبات. وفي أعقاب هذا الإجراء عبر عدد من أصحاب المحال عن غضبهم بتنظيم احتجاج صباح يوم الاثنين الموافق 11/1/2015، وقاموا بمقابلة رئيس بلدية النصيرات، ومن ثم قاموا بالإعلان عن الإضراب من الساعة 9:00 صباحا حتى الساعة 12:00 من يوم الثلاثاء الموافق 12/1/2015، وتوجهوا إلى مقر المجلس التشريعي بالمحافظة وقدموا شكوى للمجلس".
وتم جمع شهادات اخرى من اصحاب محال بيع الفحم النباتي، إذ يستورد التجار في قطاع غزة الفحم النباتي من مصر، حيث تتعهد مكاتب تخليص إسرائيلية مهمة مرور الكميات بواسطة شاحنات وتوصيلها من مصر لإسرائيل عبر معبر (كرم أبو سالم) جنوب شرق قطاع غزة. ولعبت التغيرات في البيئة والمناخ زيادة في استهلاكه في قطاع غزة. وأصبح القطاع يعتمد على الاستيراد لتوفير هذه السلعة، بعد النقص الكبير في عدد البساتين والأشجار، بسبب التمدد العمراني، وتجريف قوات الاحتلال للحقول الزراعية. كما شكلت التغيرات المناخية جراء انخفاض درجات الحرارة، التي تزامنت مع الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي ولفترات طويلة وتقليص كميات الغاز الواردة للقطاع عامل إضافي لزيادة الإقبال على شراء هذه السلعة. وأخضعت "مالية حماس" هذا النوع من الواردات لضريبة التكافل، مع العلم أن قطاع غزة لا يوجد فيه مكامير للفحم ولا ينتج هذا النوع من المنتجات، كي تعتبر الضريبة المفروضة في سياق دعم وحماية المنتج المحلي.
ووفقا لأحد التجار المستوردين، يقوم التاجر بالتنسيق مع التجار المصريين وبالتنسيق مع مكتب تخليص إسرائيلي ويتم استيراد الكمية المطلوبة، ويقوم الجانب الإسرائيلي بتحصيل (17%) على قيمة الفاتورة، فعلى سبيل المثال في حال تم شراء حمولة شاحنة مقدارها (20) طنا من الفحم النباتي بـ (6000$)، يحصل الجانب الإسرائيلي على ما مقداره (1700$) ضريبة القيمة المضافة، وكل شاحنة يقوم مكتب التخليص الإسرائيلي بإنجاز معاملاتها يخصم أتعاب بقيمة (250$)، ومن ثم تصل إلى معبر (كرم أبو سالم)، وعند سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة يجبر التاجر على دفع (300$) رسوم تعلية، وضريبة القيمة المضافة (للمرة الثانية) حوالي (250$)، وأيضا تدفع الشركة سنويا إلى وزارة المالية ضريبة الدخل بمقدار (1000$)، وتقدر تكلفة النقل من المصدر إلى مقر الشركة بغزة بحوالي (1000$). وفي النصف الثاني من عام (2015) قامت سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة بفرض ضريبة التكافل على التاجر حيث يتم تحصيلها عند معبر (كرم أبو سالم)، وفي حالة مثل استيراد الفحم يدفع التاجر (500$) على حمولة الشاحنة التي تزن (20 طنا) بواقع (100 شيقل لكل طن).
الصيدليات
تعتبر الأدوية من السلع الضرورية، ونظرا لأعداد الخريجين المتزايدة لا سيما من الكليات العلمية في قطاع غزة وعلى وجه الخصوص الخريجين من كليات الصيدلة، يقوم الخريج بفتح صيدلية كي يغطي تكاليف حياته اليومية، وفي بعض الأحيان يشترك أكثر من خريج في ظل شح الوظائف في المؤسسات الطبية الرسمية. إلا أن قرار تفعيل ضريبة القيمة المضافة (من قبل حماس) ميدانيا شمل الصيدليات. ففي أواخر شهر ديسمبر من عام 2015، أرسلت "دائرة ضريبة القيمة المضافة التابعة لحماس" إخطارات تنص على مستلمه من أصحاب الصيدليات فتح سجل تجاري في الدائرة، وكررت الزيارات مرة أخرى وسلمتهم إخطارات نهائية تفيد أنه في حال التخلف عن الحضور سيتم فتح ملف ضريبي غيابيا، ووضع تقدير مالي غيابيا، وفرض غرامات وحجز وغيرها من الإجراءات القانونية والعقوبات.
ووفقا لأحد أصحاب الصيدليات قام بإرسال المحاسب القانوني الخاص بالصيدلية للدائرة في دير البلح، مع العلم أنه ملتزم بدفع مبلغ يقدر بـ (100) شيقل شهريا، وأثناء زيارة المحاسب القانوني للدائرة قدروا مقدار الربح للصيدلية بـ (5000) شيقل، ووضعوا مبلغ مقداره (400) شيقل شهريا ولمدة خمس سنوات بأثر رجعي، وأصبح المبلغ (24.000) شيقل، بدوره رفض المحاسب هذا الطرح، وأجرى مفاوضات حتى انخفض المبلغ المستحق الدفع لـ (3000) شيقل، وتم إغلاق الملف، مقابل أن يتم تحسين الدفعة، وطرح المحاسب القانوني على صاحب الصيدلية بأنه يتوجب عليه تحسين الدفعة الشهرية لتصبح (200-250) شيقلا. ووفقا لصاحب الصيدلية فإنه يدفع (3000) دينار أردني كبدل إيجار سنويا.
المطاعم
انتشرت المطاعم في قطاع غزة في السنوات الأخيرة، وهي تشغل الآلاف من العمال، وبتاريخ 10/1/2015، وصل طاقم (من حماس) تابع لضريبة القيمة المضافة لأحد المطاعم في مدينة غزة، وطلب من صاحب المطعم إظهار السجل التجاري، فأخبرهم أن الظروف العامة لم تسمح بدفع الضريبة لا سيما الوضع الاقتصادي، حيث صدر عن الرئيس محمود عباس قرارا بإعفاء قطاع غزة من الضرائب، إلا أنهم أصروا على دفع الضريبة، وأظهروا له فواتير ضريبية كان قدمها لبعض المؤسسات في سنوات سابقة.
ويضيف صاحب المطعم بأن التكاليف التي ندفعها تتضاعف باستمرار فمثلا خدمة التيار الكهربائي رديئة، وقمت بشراء مولد كهربائي بتكلفة (10.000$) يعمل على المحروقات وهذا زاد من قيمة التكاليف، وعدم انتظام توريد الغاز للقطاع دفعني لشراء العشرات من اسطوانات الغاز. وعندما يرتفع ثمن الدواجن تتضاعف علينا التكاليف. ومثال آخر: في أوقات الحروب على قطاع غزة نغلق أبوب المطعم ونقوم بإتلاف المنتجات ونتخلص منها ونتحمل خسائرها، وهذه الجوانب لم تراعيها "السلطات المختصة" في قطاع غزة، ولم نتلق أي شكل من أشكال الدعم جراء هذه الخسائر في ظل حالة الكساد.
استيراد الفواكه والخضار
يستورد التجار الفواكه والخضار من إسرائيل، وتمر هذه البضاعة عبر معبر (كرم أبو سالم)، فرضت (السلطات في غزة) خلال السنوات الماضية ضريبة على الواردات من الفواكه بواقع (30) شيقلا لكل طن، ومن الخضراوات مثل البصل والثوم (20) شيقلا لكل طن، واستمر هذا الحال لغاية النصف الثاني من عام 2015، حيث ارتفعت قيمة الضريبة إلى (100) شيقل على كل طن من الفواكه والخضراوات، وأصبح التاجر يدفع ما قيمته (2000) شيقل على حمولة المركبة.
يقول أحد تجار الفواكه والخضراوات، أن البضائع المستوردة من الفواكه والخضراوات معفية من ضريبة القيمة المضافة، وفوجئنا برفع قيمة التحصيل من (30،20) شيقلا، إلى (100) شيقل، منذ عشرة شهور. وحول تأثير ذلك أكد أن المبلغ لا يمكن نقله للمستهلك من خلال رفع السعر، لأن حساسية الطلب على المنتجات عالية، لكن هذا الإجراء دفعه لتقليل الكميات المستوردة، كما قام مؤخرا بتسريح حوالي (8) من العاملين لدى الشركة. وفيما يتعلق بضريبة الدخل أضاف أنه يدفعها يوميا في معبر كرم أبو سالم حيث يتم تحصيل ما قيمته (5) دولارات على الطن يوميا، مع العلم أن ضريبة الدخل كانت تساوي (2.5) دولار على كل طن وتدفع سنويا.
ويتكبد التجار في قطاع غزة زيادة في التكاليف، ولا سيما بعد قرار سلطات الاحتلال بتاريخ 2/3/2011 إغلاق معبر المنطار (كارني) بشكل نهائي والإبقاء على معبر كرم أبو سالم الواقع جنوب شرق القطاع كمعبر وحيد لحركة البضائع من وإلى قطاع غزة. وأسفر هذا الإجراء الجديد على زيادة تكلفة النقل للبضائع المستوردة من إسرائيل بنسبة (100%)، جراء زيادة المسافة التي تقطعها عربات النقل.
رأي الخبراء
يرى الخبير الاقتصادي عمر شعبان، مدير مركز بال ثينك للدراسات الاستراتيجية، أن الضرائب لا تفرض إلا بقانون، ويجب أن يمر ذلك القانون من خلال القنوات التشريعية، وهذا القانون يصدر بقرار رئاسي، ولكن الوضع السياسي الراهن وحالة الانقسام التي يعيشها المجتمع، جعل من الصعوبة تحديد ما هو قانوني وغير قانوني، ولكن يبقى الأصل في أن أية ضرائب جديدة يجب ألا تفرض إلا بقانون.
وبالنسبة لقطاع غزة، فإن السياسات الضريبية المتبعة تهدف لتحصيل موارد مالية على المستوى الآني، دون الالتفات إلى المدى المتوسط والبعيد وآثار تلك الضرائب على الاقتصاد والمجتمع، خاصة وأن الهدف العام من وراء تحصيل الضرائب خدمة المجتمع. ففي كافة الدول هناك هدف ورؤيا ونتائج لعمليات الجباية، ولكن في الحالة الفلسطينية وفي قطاع غزة على وجه التحديد هناك تقدير جزافي لنسب الضرائب التي أدت خاصة في الفترة الأخيرة إلى ارتفاع أسعار السلع بشكل ملحوظ وبالتالي ارتفاع في تكلفة المعيشة، وانخفاض في القدرة الشرائية، وآثار ذلك على المدى المتوسط والبعيد، الذي قد ينبئ بتدهور شامل في الوضع الاقتصادي وإفرازات ذلك على الوضع الاجتماعي، والأمراض التي قد تظهر نتيجة العوز والفقر من جرائم وتفكك في بنية النسيج الاجتماعي ذاته.
رأي التجار
جاء في مقابلة أجراها الباحث مع (م. م)، وهو تاجر مستورد للدراجات الهوائية، وفضل عدم ذكر اسمه، ما يأتي: "كنت أستورد الدراجات الهوائية في السابق قبل الانقسام، وكانت التجارة جيدة، حيث بلغ مستوى مبيعاتي الأسبوعية بالجملة والتجزئة حوالي 500 دراجة هوائية، وكان يعمل عندي 5 موظفين، وبعد الانقسام، توقفنا فترة عن العمل نتيجة الحصار وإغلاق المعابر، وبعدها وبالتحديد في العام 2011، رجعت إلى نشاطي التجاري السابق بعد فتح المعابر مع إسرائيل، واستوردت الدراجات الهوائية، التي أدفع ضريبتها كالسابق للسلطة الوطنية في رام الله، وكنت أبيع حوالي 300 دراجة هوائية في الأسبوع، وكان عندي أربعة عمال، وفي العام 2014، وتحديدا بعد حرب "الجرف الصامد"، فرضت الحكومة في غزة مبلغ 100 شيقل على كل طن دراجات هوائية أدخله للقطاع، وعلى كل دراجة مبلغ 10 شواقل، وهذه العشرة شواقل كانت مربحي في السابق، فاضطررت إلى رفع أسعار الدراجات، وانحدر مستوى البيع لدي بالتدريج في العام 2015، وبداية العام الحالي 2016، حيث وصل عدد الدراجات الهوائية التي أبيعها أسبوعيا لا يتعدى الـ 100 دراجة، وقررت الاستغناء عن اثنين من العمال الذين كانوا يعملون معي، وأبقيت على اثنين فقط، حتى أرباحي في السابق كانت تتجاوز 20000 شيقل شهريا، أما الآن وفي أحسن الأحوال لا تتعدى 4000 شيقل، أدفع منها راتب اثنين من العمال، ليتبقى أقل من 3000 شيقل، وهي لا تكفي نفقاتي الشهرية).
ويقول أحمد راسم زهرة، وهو تاجر بضائع استهلاكية: "نحن نعمل في مجال التجارة منذ أكثر من 30 عاماً، ونبيع المواد الاستهلاكية مثل أغراض البقالة ومستلزماتها، ونستورد البضائع من الصين، وفي مطلع العام 2000 كانت الأوضاع جيدة بالنسبة لتجارتنا وكانت مستويات البيع جيدة جدا، وكانت السلطة وقتها تجبي ضريبة منا على كل حاوية بضائع تزن 25 طنا مبلغ 2500 شيقل، وكنا ندفع ضريبة دخل سنويا تقريبا 3000 دولار، وقد تكبدنا أول خسارة لنا ما بين العام 2007، و2010 عندما حجزت بضائع لنا على الجانب الإسرائيلي عندما أغلقت إسرائيل المعابر، وخسرنا مبلغ 100.000 دولار ثمن البضائع التي فسدت على الجانب الإسرائيلي، وهناك خسائر لا أستطيع تقديرها نتيجة انحسار أعمالنا التجارية طيلة فترة ثلاثة أعوام وهي فترة اغلاق المعابر. وتجدد نشاطنا في الاستيراد بعد فتح المعابر عام 2011، حيث بلغ مجموع الحاويات التي استوردناها في العام 2012 فقط 20 حاوية (كونتينر). وزادت نسبة الضرائب المفروضة علينا، بعد العام 2012، و2013 حيث أصبحنا ندفع مبلغ 5000 شيقل على كل حاوية بدل 2500 شيقل، و100 شيقل على كل طن تحتويه الحاويات، و17% على مبلغ الـ 2500 الإضافية بدل اشعار سعر، وضريبة دخل سنوية 7000 دولار تقريبا، وأصبحت مستويات المبيعات في تراجع مستمر وأقدر نسبة التراجع بحوالي 80%، حيث بلغ مجموع حاويات البضائع التي استوردناها في العام 2015 فقط 6 حاويات، ولم نستطع تسويقها، ومنينا بخسائر بقيمة 150 ألف دولار خلال العامين الماضيين نتيجة تراجع المبيعات وفساد البضائع وانتهاء صلاحيتها، كما أن هناك ديون على أصحاب المحلات بقيمة 200 ألف دولار لا نستطيع تحصيلها، والغريب في الأمر أن من يجبي منا الضرائب لا يلتفت إلى خساراتنا، وانا الآن أبيع البضائع بأقل من رأس مالها لأجمع أموالي، وإذا استمر الوضع بهذا الشكل فإني أتوقع أن تتعثر تجارتنا وقد نبتعد عن هذا المجال".
رأي عينة من المواطنين
يرى أ، م (35 عاما)، وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء وموظف في الحكومة في غزة، أن الأوضاع المعيشية في القطاع أصبحت صعبة للغاية، وأنه لا يستطيع توفير قوت أبنائه، ويلجأ دائما للاقتراض من الأصدقاء ومن المحلات التجارية لتلبية حاجات أسرته. ويرى أن الأوضاع المعيشية في القطاع تزداد سوءا وأنه يطمح أن يهاجر إلى احدى الدول الأوروبية ليضمن تربية أبنائه وتوفير العيش لهم.
في حين قال غ، م (56 عاما)، وهو متزوج وأب لستة أبناء، وكان عاملا في إسرائيل، كنت في رغد من العيش قبل العام 2000، كنت أعمل بأجر يومي مقداره 400 شيقل، وكانت الأسعار رخيصة، كنت أستطيع شراء أي شيء لي ولأسرتي، وبعد العام 2000 واندلاع انتفاضة الأقصى بالتحديد، منعت من العمل في إسرائيل، وصرفت جميع مدخراتي خلال عامين، وبقيت بلا أي دخل، ولم يلتفت أحد إلي، فصرت أبحث عن المساعدات وأطرق أبواب المؤسسات للمساعدة، وأنا أعيش الآن من خلال احسان المحسنين.
ويقول ر، س (32 عاما)، وهو موظف في مؤسسة محلية، متزوج وأب لأربعة أبناء، إن الأوضاع المعيشية غاية في الصعوبة، حتى مع انتظام دخلي الشهري، فقدرتي الشرائية قبل خمسة أعوام كانت أفضل من اليوم، هناك ارتفاع غير مبرر في أسعار المواد الأساسية بشكل عام، ودليل على ذلك، قبل خمسة أعوام كنت أستطيع جلب احتياجات المنزل كافة وكنت أدخر جزءاً من دخلي الشهري، وأما اليوم فلا يمر شهر دون أن أقترض، حتى أني اضطررت إلى بيع سيارتي الشخصية لتوفير النفقات التي تزداد يوماً بعد يوم.
----------
* تم إعداد هذا التقرير الصحفي في ضوء ما خلصت إليه الدراسة التي أعدها مركز الميزان لحقوق الإنسان والمشار إليها أعلاه.