حرب على الخبز والأرض
بسام أبو الرب
لم تغب حادثة الهدم الأخيرة التي طالت مساكن عائلة المواطن محمود أيوب ( 55 عاما) في خربة الحمة بالأغوار الشمالية، بعد أن نهشت أنياب جرافات الاحتلال كل ما فوق الأرض، حتى رغيف الخبز داخل الطابون.
عائلة أيوب المكونة من 24 فردا لم تجد لصغارها ملاذا، بعد عمليات الهدم، سوى اللجوء إلى الأقارب في محافظة جنين، في حين افترش الرجال الأرض، التي قضت جرافات الاحتلال على كل مقومات الحياة فيها، وما زالت الشواهد على ذلك ماثلة حتى اليوم.
أيوب الذي قضى عمره في أراضي الحمة، وأنجب أولاده فيها، لا يتذكر تواريخ الهدم التي طالت مساكنه أكثر من مرة.
قرب صفائح "الزينكو" التي يحاول أيوب وأولاده استصلاح ما يمكن اصلاحه للاستفادة منها في إعادة بناء مساكن لهم، وحظائر لأغنامهم، تبقى خيمة صغيرة يطلق عليها "خيمة القرارات"، والتي كانت بدعم من منظمة الصليب الأحمر، وفيها عدد من المقاعد البالية، ودلة قهوة أعدها أيوب لضيوفه .
على إحدى التلال القريبة من مساكن عائلة أيوب التي هدمها الاحتلال تظهر مشاهد لحياة السيطرة والسرقة لأرض فلسطينية، من قبل مستوطن، كان يعمل في جنح الظلام أحيانا، كما قال أيوب.
في إحدى ليالي تشرين الأول كانت الساعات صعبة لدى أيوب، بعد سماع أصوات في المكان القريب منه، ليكتشف أن مستوطنا وضع حظيرة لأغنامه وخزان مياه، وبدأ بتأسيس مسكن له في المنطقة المطلة على مستوطنة "سلعيت"، والقريبة من أشجار الزيتون، والنخيل، التي سرقها المستوطنون من الفلسطينيين قبل أعوام.
تلك الحجارة التي وضعها المستوطن فوق بعضها، واعتبرها حدودا جديدة لأرض استولى عليها، ومنع المواطنين من رعي الأغنام فيها، رغم أنها مملوكة للفلسطينيين، وفيها أوراق طابو مسجلة، حسب أيوب.
أمنيات عائلة أيوب رؤية خزان المياه الكبير يتدحرج من الأعلى، عله يقضي على جهود ذلك المستوطن، في التأسيس لمستوطنة جديدة، تبعد أمتارا عن خراب ودمار لمساكن العائلة، خلفته جرافات الاحتلال، تحت حجج واهية.
طيور الحمام التي ما زالت في بيوتها، كانت الوحيدة بعيدة من عمليات الهدم التي طالت المساكن.
يحاول عارف دراغمة الخبير في شؤون الاستيطان والانتهاكات الإسرائيلية اقناع السائق بالصعود إلى موقع البناء الجديد بالمركبة، بعد مواجهة إحدى الصخور الصعبة في الطريق صعودا، إلا أن المهمة فشلت.
دراغمة قال "تسمى هذه المنطقة خلة حمد، الواقعة في أراضي خربة الحمة التابعة لقرية عين البيضا، وهي أراضي طابو للسكان، ويحاول المستوطنون سرقتها من أصحابها، وطردهم، والبناء فيها، من خلال عمليات الهدم التي وصلت لأكثر من 1200 منشأة، منذ بداية العام الجاري" .
وأشار إلى "أن هناك عمليات استيلاء على أراضٍ جديدة، واغلاق بعضها؛ بحجج تدريبات عسكرية، أو أنها مناطق طبيعية، أو مناطق استيطان، وكافة المؤسسات الإسرائيلية تتحالف وتعمل من أجل طرد المواطن الفلسطيني من الأغوار، والقضاء عليه، مؤكدا أن هناك ردود فعل على ذهاب الفلسطينيين إلى المحاكم، من أجل استرجاع أراضيهم التي تم الاستلاء عليها عام 1967 .
وأضاف دراغمة "مستوطنة "سلعيت" التي بنيت عام 2001، بدأت بعد وضع "كرافانات" فيها ثم توسعت، وهي لا تبعد سوى 100 متر عن مستوطنة "مخولا" من جهة الغرب، وقبل حوالي 38 يوما جاء مستوطن، ووضع "كرفانا" بالقرب من المستوطنة وخارجها سياجا، وأحضر أغناما، وبدأ يتجول في المنطقة، ويمنع الرعاة وأصحاب الأغنام من الدخول إلى هذه المناطق".
وأكد "بعد عمليات التضامن والاحتجاج على انتهاكات المستوطنين، قامت قوات الاحتلال بهدم منشآت، وخيام، وبركسات لخمس عائلات فلسطينية في خلة حمد، وبعدها بدأ المستوطن بوضع قواعد لبناء مسكن، ومد خط مياه .
وأوضح دراغمة "أن المستوطنين يعملون في الليل في هذه المنطقة من أجل السيطرة عليها، ويحاولون طرد السكان، من أجل توسعة مستوطنة "سلعيت" المقام جزء منها على أراضي طابو تثبت ملكية الفلسطينيين لها، وزرعوا الزيتون مطلع العام 2011، واستولوا على أكبر نبع مياه في المنطقة.
وبين أن المستوطنين يقومون بإزعاج السكان، من أجل طردهم والاستيلاء على مزيد من الأراضي والمياه، وهناك تخوف من بناء مستوطنة كبرى في الأغوار الشمالية، تحتل أكثر من 65% من مساحة الأراضي هناك.
وقال "قوات الاحتلال إضافة إلى عمليات الهدم استولت على عشرات صهاريج المياه، والمركبات، وأعداد كبيرة من المواشي في المنطقة، ويضطر المواطن الفلسطيني لدفع غرامات باهظة من أجل استردادها، عدا عن الانتهاكات، وحرق للمراعي، والاستيلاء على ينابيع المياه، وتجفيفها .
وحذر من الاستيلاء على الأراضي المملوكة للفلسطينيين، بهدف بناء بؤرة استيطانية، أو توسعة لمستوطنة "سلعيت"، الأمر الذي يعني اغلاق أكثر من 400 دونم أمام الفلسطينيين، إذا ما أقيمت هذه البؤرة.