أبو العجب
- لورين زيداني
قصة ماقبل النوم التي ترويها الأم، وزيارة دكان الأب القديم والإنصات إلى قصص زبائنه واصدقاءه، وإعادة سرد وتقليد تفاصيل كل ماحدث عند العودة إلى المنزل، ومشاهدة الأفلام في السينما، يعدها عادل الترتير حكاية مطولة يعيد بناءها للآخرين ويرسم مشاهدها على مسامع من حوله.
مراهقا أنشأ "مسرح السقيفة" مع أصدقاءه في بيت خشبي متنقل مسقوف بالصفيح، جاءت به العائلة حين هجرت من عكا إلى رام الله.
القصة والسرد وإعادة التمثيل كانت جزءا من فطرة المسرحي عادل الترتير، إلى جانب التعلق بفنون الرسم والنحت والموسيقى، إلى أن وجد قناة تصقل موهبته وتساعده في إيجاد نفسه.
في العام 1970 التقى عادل في القدس بمجموعة من الراغبين بتكوين فرقة مسرحية وتقديم العروض، انخرط معهم بسرعة، ووجد من خلال ما سموها (فرقة بلالين) نفسه وشغفه .
(فرقة بلالين) التي تعد الفرقة المسرحية الأولى بعد نكسة 1967؛ تسعى لمراجعة أحداث الحرب وتقييمها، وتوجيه المتلقين لخطط المستقبل. استمرت في العمل خمس سنوات قدمت خلالها مسرحيات "قطعة حياة" و"العتمة" و"نشرة أحوال الجو" و"ثوب الامبراطور" وأعمال أخرى.
يقول الترتير عن هذه التجربة: "تملكني شعور بالخوف والرهبة لدى وقوفي أول مرة على خشبة المسرح مقابلا الجمهور، وهذا الشعور يرافقني حتى الآن في كل أعمالي، لكن المتعة القادمة من تفاعل الجمهور الفوري مع كل ما تقدمه كان الأفضل. بدأنا بمسرحية "قطعة حياة" لكن مسرحية "العتمة" تركت الأثر الأكبر".
ظروف "بلالين" التي بعثرت الفرقة لم توقف مسيرة عادل الترتير، حيث أنشأ مسرح صندوق العجب كخطوته الاحترافية، مستلهما اسمه من الفنون الشعبية كالحكواتي وخيال الظل وغيرها، حيث أنجز سلسلة أعمال، أبرزها "لما انجنينا" و"تغريبة سعد بن فضل الله" و"الأعمى والأطرش" عن رواية غسان كنفاني، عدا عن مسرحية "راس روس" والتي كانت المسرحية الأولى في مجال المونودراما في فلسطين.
يقول عادل: "قدمت راس روس عام 1980 بإنجاز فردي من التأليف والإخراج والتمثيل وحتى تصميم الدمى المساندة في العرض".
عام 1993، توجه عادل الترتير لاستهداف الأطفال كفئة ترتاد المسرح، فمن سلسة حكايات أبو العجب ابتكر شخصية الحكواتي أبو العجب، بقبعته الاسفنجية العملاقة وسروال وقميص من طابع تراثي، ودف معلق برقبته، يرافقه صندوقه الخشبي الملون ذو العيون الزجاجية الثلاث.
"صنعت سبعة صناديق عجب مختلفة، أولها عام 1993، في داخله ملف ورقي ارسم عليه صور القصة، ثبته بعامودين على اليمين واليسار، أحركه بيدي للناظر من العيون الزجاجية التي تكبر الصورة، أحكي قصصا من التراث تارة ومن تأليفي تارة أخرى، مستعينا بالغناء والسجع وحركات الايماء وصوت دفي".
وحسب الترتير، فإن الحكواتي المتجول تراث عالمي، تختلف تفاصيله من منطقة لأخرى، لكنه ظهر في بلاد الشام لأول مرة في القرن السابع عشر، من خلال أشخاص يحملون صناديق على ظهورهم.
"المسرح بمثابة المتنفس والبيت بالنسبة لي، وأداتي في التعبيرعن همومي وهموم شعبي، من خلاله نحكي قصة تحمل متعة وعبرة، وتوجه نحو فكرة، لقد قضيت عمري في هذا الفن. وا أزال شغوفا به محبا لكل التفاصيل، آمل بتحسين ظروف العمل فيه ماديا ومعنويا وسأطالب بذلك، لترسيخ وجوده عند الناس، بما يليق بتاريخ المسرح الفلسطيني الذي شهد سنوات من العز والتألق"، يضيف الترتير.
في الفترة التي سبقت النكبة، تشكلت 30 فرقة مسرحية في فلسطين، وكان ابرز كتاب المسرح انذاك جميل وفريد الجوزي، والإخوة صليبا، وجميل حبيب بحري وأبرز اعماله " الوطن المحبوب" عام 1923.
ورغم ان نكبة 1948 عرقلت استمرار العمل المسرحي، إلا أن هذا الحدث احتل معظم مواضيع الكتابات المسرحية في الفترة اللاحقة، وبعد مغادرة الكثيرين من رواد المسرح إلى الشتات نشأت "جمعية المسرح العربي الفلسطيني" عام 1966، بمبادرة حركة " فتح" وادارة الفنان خليل طافش في سوريا.
إلا أن نضوج المسرح الفلسطيني وبروزه اتضح في فترة السبعينيات، خاصة مع انطلاقة "فرقة بلالين" عام 1971 والتي جمعت شبانا من رام الله والقدس، وظهرت بعدها العديد من الفرق المستقلة بتجارب خاصة.
وتعتبر فرقة "الحكواتي" من أبرز تلك الفرق وأكثرها شهرة، وتأسست في القدس عام ?1977 ثم ازدادت شهرة عام 1983 بعد أن أسست قاعة العرض التي تمتلكها "مسرح النزهة الحكواتي" والتي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا.