إطلاق ديوان "بائع النبي" لسلطان القيسي
أطلق، الليلة، ديوان بائع النبي للشاعر سلطان القيسي، في قاعة الجليل في متحف محمود درويش في مدينة رام الله.
يقع الديوان في 192 صفحة من القطع المتوسط وصدر في عمان عن دار موزاييك للترجمات والنشر والتوزيع.
وقدم الشاعر الفلسطيني خالد جمعة الشاعر القيسي وكتابه، مبتدئاً بلغز العنوان وقائلاً: "بمجرد أن تفتح الكتاب، يحل لك سلطان القيسي إشكالية العنوان الذي قد يتردد صداه كعنوان هرطقة، بائع النبي، فيأتيك بالآية 20 من سورة يوسف "وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْس دَرَاهِم مَعْدُودَة وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ"، فلا تعرف فقط بأن العنوان فيه قصدية بيع النبي المجازية، بل الحقيقية، بل إن الرجوع إلى قصة يوسف وسياقها الحضاري والتاريخي سواء في فلسطين أو في مصر، يعتبر الملعب المعشب الذي يلعب فيه سلطان طوال صفحات الكتاب."
وأضاف: "يتحرك الشاعر حراً في ملابسات الرواية التاريخية، مستفيداً إلى أقصى حد من هذه الملابسات، ومثل ثعلب يتنقل عبر أرضية تخلقها الرواية بمختلف تجلياتها، توراتية كانت أم تاريخية، ويتجول براحة في مضارب الهايكو الياباني معطياً إياه التتبيلة العربية الشرقية القديمة/ الحديثة التي لا تخرج عن السياق الشعري العام لتجربته، فهو لا يلوي عنق اللغة لكي يوصلنا إلى الأماكن التي يريد، بل ينساب معها وكأنه جزء منها وهي جزء منه."
وعن أسطرة الكنعانية في الديوان قال خالد جمعة: "يؤسطر سلطان الكنعانية بما هي أصل، ولا يقدم وصفاً شائعاً لجمال المرأة التي ولدت فلسطين بأكملها، بل يقسمها من وسطها النفسي إلى حالتي حرب وحب، وفي كل حالة هي شكل يتناسب وهذه الحالة، وهو ما يعطي المرأة الفلسطينية/ الكنعانية بعدها التاريخي، وبهذا لا يقتصر جمال الكتابة على مفردات وتراكيب لغوية، بل يذهب أكثر عمقاً وإيغالاً في قراءة إنسانية الرواية الفلسطينية للتاريخ، ويلجأ سلطان إلى التعبيرات الدينية من أصولها، عبر جملة واضحة تقتبس تركيبة الجملة القرآنية والتوراتية، وحتى مفرداتها أحياناً، ورغم ذلك الغوص العميق، تراه يقفز فجأة، ليصل إلى الإنترنت ويربطه بناقة عشواء: حين تضيعين مني، كما يحدث في كل مرةٍ تقطعين فيها الاتصال، ويربط بشكل لائق بشاعر الحضارة مع البريّة البدائية: حين تقولين: "آلو"، تنفتح الغابات فيّ."
وعقّب خالد جمعة قائلاً: إن سلطان القيسي ينطلق في كل ذلك من ثقافة واضحة، حتى على المستوى الموسيقي، فمن يستمع إلى جاك بريل الذي ذكره سلطان في بداية الكتاب كأحد مساعديه على وضع النص، هذا البلجيكي العظيم الذي عاش 49 عاماً فقط، وتوفي عام 1978، خلق أسلوبه الخاص وأثر على شعراء وفنانين كثر في العالم كله، كان مغنياً وكاتب أغاني، وممثل، ومخرج، ووضع كثالث فنان بلجيكي مبيعاً في كل العصور، لم تأتِ هذه الإشارة صدفةً، فأولئك الذين يعرفون جاك بريل بعمق، هم أشخاص ذوو طبيعة خاصة، فرغم شهرة بريل الكبيرة، لم يكن من السهل التعامل مع حساسيته في الغناء إلا عبر حساسية مشابهة.
وفي حوار لاحق للقراءة الشعرية تحدث سلطان القيسي عن ثلاثي شعراء الحرية؛ هو وحسن مريم وعلي الزهيري، وتحدث عن التعافي من هوس النشر وإعادة كتابة القصائد بأفكار كتبها مسبقا، وعلق قالا: إن مواقع التواصل الاجتماعي استنزفتنا ابداعيا لأنها وضعتنا في اتصال مباشر مع الجمهور فتجعلنا متعطشين جماهيرياً لعمل الجديد وهذا ما يستنزفنا، وكان وجودنا في ثلاثي شعراء الحرية حماية لنا من ذلك، فتتم معالجة ومناقشة أي نص بيننا الثلاثة قبل نشره، وهذه نعمة على المستوى الفني والإبداعي.
وعن التناقضات على مستوى الشكل الفني وعلى مستوى الطبيعة والتكنولوجيا والتضادات التي تستخدم كضرورة شعرية، قال القيسي إن لكل شخص تفسيراته الخاصة للأمور لكن بهذا السياق، الشعر دائما يذهب للمبالغة، لأقصى منطقة يصلها الشاعر بالخيال، فيذهب إلى التهويل وأسطرة الأشياء العادية، فنحن نعيش واقعاً تفوق على القصيدة في المبالغة، فأهوال الحرب، والتفكك الاجتماعي بأقصى صوره، وانهيار الثقافات الاجتماعية وانمحاء ثقافات بممارسات مجتمعات أخرى، وهذا يجعل الدهشة تمشي بين أقدامنا كقطة، وهذه الدهشة من أهم عناصرها التناقضات، فإذا انتخبت هذا العنصر من خلال عناصر أخرى نشاركها وقررت تحويل هذا العنصر إلى شعر، ستصل إلى قصيدة مليئة بالتضاد والتناقضات.
وعن تأثره بعائلته وتحديداً والده، قال القيسي إنه ينتمي لعائلة فنية فدرس والده المسرح في بغداد ثم انتقل إلى صناعة الأغاني ثم لأسباب أمنية امتنع عن ذلك وانكفأ على نفسه وخرج في نهاية الأمر برواية، وقال إن لوالدته مساهمات خاصة بها أيضاً، ولأخواه عبد الرحمن وبيسان محاولاتهم أيضا. كما تحدث عن محاولاته لالتقاط بعض المقامات الموسيقية في شعره.
وقرأ سلطان القيسي مجموعة من نصوص الديوان بمرافقة العازف الفلسطيني إبراهيم نجم على آلة العود، وشاركت المطربة الفلسطينية ريم تلحمي بقراءة نص أريد أن آتي إليك الآن. ووقّع بعض النسخ للجمهور.
ولد سلطان القيسي في ثمانينات القرن العشرين، يقيم في عمان ويحمل درجة البكالوريوس في الأدب والنقد الانجليزي من جامعة الزيتونة، يعمل مترجما أدبيا لرابطة القلم الدولية بن دايالوج، كما يعمل مديراً تنفيذياً لدار موزاييك للترجمات والنشر والتوزيع، يكتب في الصحافة العربية، وصدر له مجموعة شعرية هي "أؤجل موتي" عام 2011، و"بائع النبي" هي مجموعته الثانية، كما قام بترجمة كتاب "الوطن ـ سيرة آل أوباما" لجورج أوباما الأخ غير الشقيق للرئيس الأميركي، وقد صدر الكتاب عن مؤسسة العبيكان ودار سايمون اند شستر.