عهد دولة فلسطين .. عهد الحاضر والمستقبل
عديدون هم المسؤولون على الساحة الدولية والاقليمية، الذين توهموا أنه بالإمكان تصفية القضية الفلسطينية، وجعلها نسيا منسيا بكل تفاصيلها، اولهم كان "جون فوستر دالاس" وزير خارجية الولايات المتحدة في خمسينيات القرن الماضي، حين قال "إن الشعب الفلسطيني سيقضي تحت اقدام الفيلة" ..!! بعده قالت رئيسة وزراء اسرائيل جولدا مائير في ستينيات القرن الماضي وتكريسا لمحاولة تجاهل الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته "ان الكبار يموتون والصغار ينسون" ..!! غير ان هؤلاء الصغار مع كبارهم راحوا بعد سنوات قليلة يصنعون ثورة المستحيل، ويعيدون فلسطين الى حضورها الطاغي، قضية عادلة وطريقا لاسترداد كامل حقوقها المشروعة، وحين استكملت فلسطين حضورها السياسي والكياني في منظمة التحرير الفلسطينية، التي باتت الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وبعد ان بات الرقم الفلسطيني هو الرقم الصعب، جاء في ثمانينيات القرن الماضي مستشار الامن القومي الاميركي "بريجنسكي" واعاد انتاج اوهام "الفيلة والموت والنسيان" بكلمات مغايرة، وبصيغة اعتقدها فاعلة، وهذه المرة لشطب الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني كضمان اكيد لتصفية القضية الفلسطينية، فأطلق صيحة هي اليوم مثار سخرية دون ادنى شك، التي قال فيها (وداعا "باي باي" منظمة التحرير الفلسطينية) بعد هذه الصيحة بسنوات قليلة، كانت الولايات المتحدة تفتح حوارا مع منظمة التحرير في "تونس" وبعدها بسنوات اقل، كانت اسرائيل ذاتها تعترف بالمنظمة، وتجلس معها في مفاوضات انتجت اتفاقات اوسلو.
هذا السرد التاريخي المختصر لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية، نقدمه لوزير التعليم الاسرائيلي نفتالي بينت، الذي على ما يبدو انه لم يقرأ شيئا عنه، وهو يعلن بعد فوز المرشح الجمهوري "دونالد ترامب" في انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة "ان عهد الدولة الفلسطينية قد انتهى"....!! والواقع ان الامر لا يتعلق بعدم قراءة التاريخ هنا بالنسبة لوزير التعليم الاسرائيلي، وانما بحماقة الفكرة العنصرية ذاتها التي تتوهم دائما، ان بإمكان غطرسة القوة صنع المستحيل، بوقف مسيرة التاريخ، وتزوير حقائقه، وتكريس الوهم بدل الواقع والحقيقة، والحماقة الاشد في هذه الفكرة، انها لا ترى قدرة الطرف الآخر من معادلة الصراع على تغيير الواقع، بخلاف ما تريد وما تشتهي، برغم ان هذه القدرة للطرف الآخر الذي هو نحن هنا، قد اثبتت حضورها الفاعل، وجعلت نكران القضية الفلسطينية وتجاهلها مستحيلا، لا بل انها وبفعل عافية ذاكرة ابنائها، وعمق ارتباطهم بأرض وطنهم، واصرارهم على انتزاع كامل حقوقهم المشروعة، وبفعل إرادتهم الحرة واجتراحهم معجزة الثورة المستحيلة، وبقدر تضحياتهم العظيمة، جعلت الاعتراف بالقضية الفلسطينية وحقوق شعبها على كل الصعد العربية والاقليمية والدولية، من ضرورات التعقل والواقعية والحكمة والموضوعية، وبعض هذا الاعتراف جاء تحت عنوان "مكره أخاك لا بطل"، فيما انطلق الاعتراف من الاغلبية، من نزاهة انسانية، وتطلع لعدالة ممكنة، ورفض للظلم والعدوان، وفي الاساس من تضامن حقيقي مع الشعب الفلسطيني، دعما لحقوقه وأهدافه العادلة والمشروعة.
سنقول لوزير التعليم الاسرائيلي: لك أن تتوهم ما تريد فلا أحد يستطيع تجاوز الرقم الفلسطيني الصعب، وتاريخ محاولات تجاوز هذا الرقم وشطبه، هو تاريخ الفشل بأم عينه وبكامل تفاصيل الخيبات التي انتجها، عهد الدولة الفلسطينية اشرق منذ الرصاصة الاولى لثورة المستحيل، ومنذ الحجر الاول في الانتفاضة العظيمة التي جاءت باعلان الاستقلال عام ثمانية وثمانين، وما زال يشرق تباعا باعترافات العالم المتتالية بدولة فلسطين بعد حصولها على مقعدها المراقب في الامم المتحدة، وعلمها هناك الان يرفرف بين اعلام الامم راية للحضور الواقعي واعترافا امميا بهذا الحضور، عهد الدولة الفلسطينية هو عهد التاريخ، عهد مسيرته التي نقودها، وعهد حتميته التي لا بد ان تكون، وستكون، وقديما كانت النصيحة بجمل كما يقال، ولكن لا بأس ان نقدمها اليوم مجانا لمعاقري الوهم من جماعات اليمين العنصري الاسرائيلي المتطرف: لا تضيعوا المزيد من الوقت عليكم، لا تعيدوا انتاج ما ثبت فشله تماما، .. ليس بوسع احد ان يقرر مصير عهد الدولة الفلسطينية، ايا كان موقعه ومهما كانت قوته، فالأمر كله رهن بارادة شعبنا الفلسطيني الصامد، الذي انتج هذا العهد وأقامه، وإرادة شعبنا عصية على الكسر، قد أثبت تاريخ الصراع ذلك وما زال يثبته يوما بعد يوم، لا بل اننا اليوم وبمشروعنا الوطني وبقيادتنا الحكيمة، ماضون بثبات وقوة نحو اكتمال عهد دولة فلسطين بكامل عدته وتفاصيله السياسية والجغرافية والمؤسساتية، والعام المقبل هو العام الذي سنجعله عاما لإنهاء الاحتلال بالعمل على الصعد الداخلية والاقليمية والدولية كافة .. و"يا جبل ما يهزك ريح".
كلمة الحياة الجديدة - رئيس التحرير