قمر 15 أم 14 أم 13؟
جميل ضبابات
كان قمرا متوهجا واحدا فوق فلسطين بجغرافيتها التاريخية رغم انه توارى كثيرا، وكان ايضا قمرا مكتملا واحدا في عرف المحافل العلمية الكبرى، إلا أن حسابات اكتماله اختلفت من روزنامة لأخرى في بقعة جغرافية مضطربة بالصراعات الكبيرة .
بالنسبة لمعظم سكان إقليم حوض المتوسط فإنه يحلو لهم اسم "قمر 14" على القمر في حالة البدر… بالنسبة لآخرين سموه "قمر 15".
وعندما سطع أمس في سماء العالم أكبر قمر أمكن مشاهدته منذ عقود، أطلقوا عليه أسماء كثيرة.
إلا ان القمر الذي اكتمل على هذا النحو في ظاهره لم تتكر منذ عام 1948 ولن تتكرر الا في تشرين الثاني في العام 2034، وصادف ظهوره بحجم أكبر 14? في 14 من الشهر الهجري 14 صفر، والذي صادف 14 نوفمبر (تشرين ثاني)، ليس "قمر 14" بالنسبة لعزيز الكاهن.
إنه "قمر 15."
وعزيز الكاهن واحد من كهنة الطائفة السامرية التي تعتقد أنها نسل السلالة الحقيقية لشعب بني إسرائيل، ولا يتعدى عددها الثمانمائة فرد يسكن نصفهم جبل جرزيم ثاني أعلى جبال نابلس شمال الضفة الغربية.
في مقهى حديث يطل على الجبل من الجهة الغربية الشمالية وسط مدينة نابلس، يشير عزيز الى انفراد الروزنامة السامرية بقياس خاص لحركة القمر وولادته.
ويجري إعداد هذه الروزنامة من قبل الكهنة بحسابات غير معروفة حتى الآن خارج مجتمع الطائفة التي تؤمن بأسفار التوراة الخمسة الأولى.
ويسمى الحساب الذي يحدد الشهور السامرية بحساب الحق، وهي كلمة آرامية تعني حساب الحق.
وتوحدت نظرة العالم أمس في النظر الى اكتمال القمر العملاق الذي أعطى إشعاعا فوق العادة بنسبة 30?.
إلا أنه من علو 881م فوق سطح البحر على بعد امتار قليلة من المنزل الذي يسكن فيه عزيز مع العائلات الموسوية الأخرى بدا قمراً متواريا خلف السحب التي تراكمت في السماء منذ ساعات الصباح.
لم يكن عموما قمرا يخطف نوره الأبصار بالنسبة للكثيرين في الأرض الفلسطينية.
وفي كثير من المناطق كانت غلالة من الغبار والغيوم الشاحبة تحجب ذلك الشعاع.
وحملت الاطلالة من نوافد المنازل في كثير من المناطق أملا واسعا لرؤية قمر اعتقد الكثيرون انه بالإمكان مشاهدته ناصعا كبيرا قريبا من سطح الأرض.
من نافدة بيتها فوق جبل جرزيم استطلعت الشابة السامرية بدوية الكاهن القمر المتواري.
إلا أنها قالت في يوم سابق عندما سرى حديث عميق عن قرب طلوع القمر العملاق ان" القمر أقرب إلى الجبل المقدس من اي مكان آخر في العالم". ، وهي بذلك كانت تشير الى الجبل الذي تباركه التوراة وحددته كقبلة لبني اسرائيل في المعتقد السامري.
لكنها مثل عزيز والسامريين الآخريين تقول انه قمر ابن خمسة عشر يوما، حسب حساب الحق.
وصادف أمس الخامس عشر من الشهر السامري الثامن. وتسمى الأشهر القمرية السامرية بأرقامها العددية.
وليس لها أسماء كما في الرزنامتين اليهودية والإسلامية.
إلا أن "قمر 14" في نابلس التي لا تبعد مسافة عشر دقائق عن ذروة جبل جرزيم، و"قمر 15" فوق الجبل، ليس الا "قمر 13" في الروزنامة اليهودية التي قد تستخدم على بعد مئات الامتار من نابلس في المستوطنات اليهودية المقامة فوق جبال المدينة.
نظرة الى تلك الروزنامة التي تنشر سنويا فان 14 تشرين ثاني/ نوفيمبر صادف 13 خشفان وهو الشهر القمري الثامن والذي يرمز له ب: "ي .ج" وتعادل الياء الرقم 10 فيما تعادل الجيم رقم 3، وهذا ما يسمى بالجمطرة وهي معادلة الأرقام بالأحرف.
والجمطرة مصطلح يردده السامريون بكثرة، ومن خلاله يستطيعون تحويل الأسماء بالأحرف الى هيئة رقمية.
في التاريخ الحديث جدا لم يسبق للعالم ان احتفى بالقمر مثلما ظهر أمس على الشواطئ وفي المناطق المفتوحة وحتى ايضا داخل المدن. فالقمر الذي يدور حول الأرض وهو ما يشكل الشهر القمري اقترب أمس في لحظة الحضيض للمسافة الأقرب من كوكب الأرض ليصبح على بعد 356,509 كيلومتر فقط.
"لحظة ولادة واكتمال هذا القمر لدينا منذ مئات السنين في حساب الحق" يقول عزيز وهو سليل كهنة كبار يقولون انهم ينحدرون من سبط لاوي ابن النبي يعقوب.
بالنسبة للسامريين فان نتيجة حساب الحق ايضا، تتمخض عن عملية حسابية، دقيقة، صحتها بالنسبة للسامري الذي يعتقد بقوة سلامة حساب الحق لا تقل عن 100% .
"القمر اكتمل حسب حسابنا، لكنه خذل الكثير عندما توارى وراء الغيوم" قالت بدوية التي دفعت أطفالها لرؤية القمر الأعظم الذي لم يظهر إلا في وقت قصير كما قالت.
مساء الأربعاء الذي وافق 11 نوفمبر الماضي ( 2015 ) أعلن المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، رئيس مجلس الإفتاء الأعلى الشيخ محمد حسين عن أن اليوم التالي (الخميس) هو المتمم لشهر محرم 1437هـ، وأن يوم الجمعة المقبل، هو الأول من شهر صفر لهذا العام.
بعد ان بث الخبر عبر وسائل الإعلام الفلسطينية، بوقت قصير طرح معد هذه القصة الإخبارية عبر صفحته في فيس بوك هذا السؤال: الجمعة غرة شهر صفر. هل هناك رأي آخر؟
في الحقيقة كانت هناك آراء أُخر!.
كان من بين المجيبين عدد من المتابعين السامريين الذين أشاروا إلى أن حساب الحق لديهم يؤكد ان غداً الخميس هو أول الشهر الثامن العبري (صفر)، أما عزيز فأجاب بجملة حاسمة" وأنا بقول الخميس".
لقد أكدوا جميعهم الحساب ذاته، الذي قدّم تولد الشهر، يوما واحد، عن اليوم الذي حددته دائرة الإفتاء الفلسطينية.