فجر "لاكاديكيا" يشرق بـ"كنفاني"
رشا حرزالله
داخل كوخ صغير على الحدود اليونانية- المقدونية، صف واحد، وسبورة، وجذوع من الشجر طوعها اللاجئون، وجلهم من الفلسطينيين الذين شردهم الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 مرة، وآلة الحرب الدائرة في سوريا ثانية، لتصبح فيما بعد مقاعد صفية يجلس عليها الأطفال، إلى جانب بعض التمديدات الكهربائية البسيطة، هكذا هي مدرسة الشهيد "غسان كنفاني"- كما وصفها وسام سباعنة.
صحيح أنها مدرسة "على قد الحال أو أقل" يقول سباعنة أحد المتطوعين المشاركين في إقامتها، لكنها بالنسبة لأطفال مخيم "لاكاديكيا" حضنا، يتعلمون اللغة العربية، والرياضيات، والعلوم، واللغات، إلى جانب النشاطات التعليمية، والترفيهية، ويفرغون كبتهم، من كل ما لحق بهم من مآس، وموت، وخراب في الحرب الدائرة في سوريا.
"لا قرطاسية هنا، لا شيء أبدا، حتى أننا دائما نطلب ممن يمكنه تقديم الدعم، ألا يتأخر في ذلك" ويضيف.
أقفلت الأبواب والحدود في وجه 800 لاجئ نصفهم أطفال، بعد أن "نفدوا" بجلدهم من الموت، قاصدين تركيا، ومنها إلى أوروبا، حيث وجدوا أنفسهم مشردين، وعالقين على حدودها، وعندما ملّوا من مناجاة المؤسسات الدولية، والحقوقية، أجبروا على التكيّف مع وضعهم الجديد، فكان مخيم لجوء آخر بانتظارهم، لعل أحدا يلتفت إليهم يوما ما.
ولأن أهالي المخيم يؤمنون كما يشير سباعنة إلى أن "رأس مال الفلسطيني تعليمه"، واصل ثلاثون شابا وشابة العمل ليل نهار على إنشاء مدرسة الشهيد غسان كنفاني، التي أنشئت قبل نحو عام، هؤلاء ممن عملوا قبل الحرب في مؤسسة "جفرا" للإغاثة والتنمية الشبابية، داخل المخيمات الفلسطينية في سوريا، ومقرها مخيم اليرموك، ولديهم من الخبرة والمهارة، عدا عن أنهم من حملة الشهادات العلمية في تخصصات عدة، ما مكنهم من تعليم أطفال المخيم الوليد.
"استطعنا عمل هذه المدرسة بمساعدة سكان المخيم، حيث كانت هناك استجابة كبيرة من الأهالي، إلى جانب بعض الأشخاص والمواطنين اليونانيين، الذين قدموا ما استطاعوا للأطفال، لكنها تبقى هذه مساعدات شحيحة، مقارنة باحتياجات الناس، والأطفال" قال سباعنة.
ولا ينسى فرحة أحد الأطفال، الذي صار المخيم يعرّفه بـ"جفرا"، فبعدما أنهى المتطوعون إنشاء المدرسة، يهرع إليها في ساعات الصباح الأولى، ولا يغادرها قبل حلول الليل، ولاحقا صار مسؤول عن تنظيفها وترتيبها، ويساعد في حل مشاكل أقرانه، رغم أنه لا يتجاوز عمره السبع سنوات.
"يمثل غسان كنفاني عمق القضية بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، وكتاباته تعبر عنهم وعن حلمهم، وحملت المدرسة اسمه، للدلالة على وجودنا، وحفاظنا على كينونتنا الفلسطينية أينما كنا، وقضيتنا ليست محصورة في مكان ما، بل هي داخلنا" أضاف سباعنة.
إلى جانب التعليم، قال سباعنة إن المتطوعين في المدرسة يقدمون جلسات علاج دعم نفسي، وهو ذاته الذي كان يقدم لأطفال المخيمات في سوريا، وذلك نظرا للوضع النفسي الصعب الذي يعيشه الأطفال، بسبب الحرب الدائرة هناك، والمدرسة غير موثقة، ولا تحمل أي صفة رسمية، بسبب الفوضى التي يعيشها "لاكاديكيا"، والوضع المعيشي السيئ، في ظل عدم اكتراث المؤسسات والمنظمات والأمم المتحدة.
"معظم الأطعمة التي تجلب للمخيم فاسدة ومنتهية الصلاحية، الأطفال يتناولون الخبز اليابس" قال سباعنة، مضيفا: "هناك حالات خطف وعنف، في الصيف تتسلل على أجسادهم الحشرات والأفاعي، الناس ما زالت تعيش داخل خيم، نحاول قدر الإمكان مناشدة المؤسسات لنجدتهم لكن لا شيء لغاية الآن، باختصار الأوضاع هنا مخيفة".
من بين الأطفال حالات إعاقة وأمراض مزمنة تتطلب للعلاج، لا شيء هنا، لا شيء حتى أن الناس هنا لا تعرف ما هو وضعها القانوني منذ أن جاءت هنا قبل عام، الناس تعيش في ريبة، وقلق، وخوف، والمنطقة التي أقيم فيها المخيم والواقعة شمال اليونان، تعد من أكثر المناطق برودة هناك، والعائلات تعيش داخل خيم، لا تستطيع أن تقي أطفالهم البرد، والأمطار، ونحن على أبواب فصل الشتاء، ما سينذر بكارثة باللاجئين.
يتخوف سباعنة وأهل المخيم بأن تقوم السيول بجرف المخيم، وتدمير مدرسة كنفاني".