غسّان: الفسائل بيد والسلاح بأخرى
ينتظر غسان وشاحي أوقات الاستراحة من عمله الرسمي في حراسة دار المحافظة في طوباس، بفارغ الصبر للزحف نحو الصخور الصلبة، ولضم مساحات إضافية للحديقة التي دشنها منذ ثلاث سنوات ونصف.
ضمن سلسلة "أصوات من طوباس"، خصصت وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية الحلقة (66) لمبادرة المساعد وشاحي، موظف الحراسات بالمحافظة، الذي حوّل محيطها إلى حدائق زاهية.
يعهد وهو يرتدي زيه الأزرق ويمتشق سلاحه الرشاش، أحدث مساحة صغيرة زرعها بالعكوب قبل أيام، ويترقب المطر لترتوي البقوليات والخس والشومر والبصل والبطاطا والبازيلاء والبقدونس والميرميةـ وأصناف أخرى كثرّها من محاصيل العام الماضي، وتنتظر رحمة السماء.
يقول: دخل حب الزراعة إلى قلبي منذ الطفولة، وبدأت حين استلمت عملي في مقر المحافظة، باستصلاح محيطها، فقد كانت الصخور لا تنبت غير الأشواك، واليوم زرعت عشرات الأصناف، وعما قريب سأضاعف المساحة، بعد أن شجعني كثيرًا المحافظ اللواء ربيح الخندقجي.
سعادة صلبة
يبدو وشاحي المولود في العام 1974 في غاية السعادة وهو يسترق النظر من نافذة العمل، إلى الحديقة، وينتظر ساعة الفراغ ليعهد مزروعاته، ويضيف إلى بهو المحافظة المزيد من الأشجار والأزهار الجديدة، بعد اقتلاع جرافة المزيد من الصخور العصية على الأيدي.
وتتداخل حديقة وشاحي من أعلى بناية المحافظة بأشكال هندسية متفاوتة الألوان، بين الأخضر الداكن والفاتح، وعن قرب تكشف بعض محاصيل الصيف عن جهود حارسها، كالفلفل والبامية واللوبياء.
يتابع: حين قدمت إلى العمل في الأول من أيار 2013، كانت الأرض مليئة بالقمامة، وخالية من زينتها الخضراء، فبدأت بإزالة النفايات، وتأمين التراب والبذور، وتغير المشهد.
يعمل غسان في مناوبات مسائية وليلية، لكنه يفضل النهار ليرعى في الفراغ نباتاته، ويستصلح المزيد من الأرض القاحلة، ويفرح كثيرًا وهو يقطف المحصول الخالي من الكيماويات ويوزعه على زملائه والعاملين معه.
يقول: أجمل شيء أن تزرع بيدك ما تأكله، وأن تقرر فعل شيء يتوقف الناس عنده، وحتى لو لم تمتلك الأرض فبإمكانك أن تحول سطح المنزل إلى حديقة مُعلّقة، وكل ما علينا أن نفعله الاقتراب من الأرض والمحافظة عليها.
وينحدر وشاحي من قرية إجزم ( 28 كيلومترا جنوب حيفا)، وعمل والده رسلان المولود في العام 1930 في أرضه وكروم زيتونه، قبل أن تقتلعه النكبة منها، ليقيم في مخيم الفارعة.
لائحة وردية
في لائحة وشاحي الكثير من الأحلام القريبة، إذ سيكون الربيع القادم فرصة لتحويل المزيد من المساحات الفارغة إلى جنائن جديدة، سترتدي ثياب الورد الجوري، والأشجار المثمرة، ومحاصيل حقلية أخرى، يتم إنتاج معظمها في مشتل متناهي الصغر ابتدعه غسان.
ويحمل الراوي شهادة الثانوية العامة عام 1991، ويعمل في الأجهزة الأمنية منذ 21 عاما، وكبر معه حلم دراسة الجغرافيا، إلا أن الحظ لم يبتسم له. ويتذكر أول أشتال زرعها في طفولته بوعاء صغير على سطح منزله بمخيم الفارعة، ليكمل اليوم حراسة دار المحافظة من ثلاث جهات بالخضرة.
نقل وشاحي شغف الأرض إلى ابنه محمد (5 سنوات)، وسيغرسه في رضيعه عبد الله، الذي لم يتعدَّ العشرة أيام، فيما يطيل التفكير بحديقته خلال إجازاته بعيدًا عنها. ويكرر دائمًا مقولة ذائعة الصيت: "غرسوا فأكلنا، ونغرس فيأكلون".
ويشير مسؤول الأمن في المحافظة النقيب رامي حجازي، إلى أن مبادرة وشاحي وجدت منذ البداية التشجيع من المحافظ اللواء ربيح الخندقجي، ولاقت الاستحسان من الموظفين، الذين يسارعون في التقاط الصور بين الأزهار والخضرة، ويسرّون بالهدايا التي يقدمها غسان لهم من منتجات طبيعية، لم تمسسها الأسمدة والكيماويات.
ويضيف: الجديد في تجربة وشاحي أنه شرطي يقدم أثناء عمله رسالة الحفاظ على الأرض وعدم هجرتها، ويعمل بزيه العسكري، ولا يفارقه سلاحه، وفي ذلك رسالة لكل من يشاهده وسيسمع عنه.
ينهي حجازي: أرسل مدراء الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى، موظفين للتعلّم من تجربة غسان، وتحويل محيط المقرات إلى جنائن، وتقديم رسالة هامة تثبت تميز رجال الأمن وتمسكهم بأرضهم.
قصص خضراء
بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف، إلى أن الوزارة تتبعت المبادرات الخضراء، كما في مدرسة بنات طوباس الثانوية الصديقة للبيئة، ومبادرات طالباتها لكشف التلوث في وادي الباذان، وواكبت أول مؤسسة تعليمية خضراء في فلسطين تزيّن بلدة عقابا، وتوقفت مع قصة روضة جمعية طوباس الخيرية الصديقة للبيئة، التي أطلقها مركز التعليم البيئي قبل أربع سنوات.
وأكد أن الوزارة تتبعت حكايات الأعشاب الطبية التي تشق طريقها إلى العالم من قلب الأغوار، وجبل جادر الذي يتعطش للحرية، وعين الساكوت المنهوبة، ووادي المالح المحاصرة، والمهندس الصديق للبيئة عماد دوّاس، وغيرها من مبادرات خضراء.