هدية من خلف القضبان
بسام ابو الرب
لم تتمالك نصرة أبو وهدان (59 عاما) من مدينة نابلس، وهي والدة الأسير محمود أبو وهدان نفسها عندما رأت هدية من فلذة كبدها تصل إلى منزلها، احتفالا بذكرى عيد مولدها الذي يصادف اليوم الخامس من كانون الأول.
محمود ( 36 عاما) الذي يقبع في سجن "ريمون"، اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في 8-10-2002، وحكم عليه بالسجن 3 مؤبدات، و30 عاما إضافية، متهمة إياه بالضلوع في التخطيط لعمليات ضد أهداف اسرائيلية، ويعاني الأسير من وجود آلام في الغضروف في إحدى قدميه.
والدة الأسير أبو وهدان لم تجد سوى الدموع لتعبر عن فرحتها بهدية نجلها الوحيد، بعد أن أحضرها الأسير المحرر ياسين أبو لفح، الذي كان رفيقا له في ذات الأسر، فكانت مفاجأة لها، والتي ربما تعوض قليلا عن غيابه، ومعاناة العائلة.
والدته احتفلت قبل أشهر بحصول ولدها على شهادة البكالوريوس في تخصص التاريخ والفلسفة عبر برنامج الانتساب للجامعات.
"من أجمل أيام حياتي عندما شاهدت شابا وهو الأسير المحرر ياسين أبو لفح يحمل "الجاتو" ويقف على الباب، ويقول هذه هدية محمود لك من الأسر، وقتها لم أتمالك نفسي، حتى أنني احتضنت الشاب، وكأنه ولدي" تقول أبو وهدان.
الحسرة وحرقة القلب كما تصفهما أبو وهدان يتسللان إلى قلبها، بعد غياب ولدها، خاصة عندما ترى أقرانه من الشبان بين عائلاتهم، ومعهم في كل المناسبات، والأعياد، حتى إنها لم تصنع كعك العيد منذ تاريخ اعتقاله، سوى العام الماضي بعد إصرار منه على ذلك.
الأمراض المزمنة، والأوجاع التي استقرت في جسد أبو وهدان، لم تحول دون مشاركتها في غالبية المناسبات والفعاليات التضامنية مع الأسرى.
يوم مولد محمود لم يكن عاديا ومميزا بالنسبة لي، فقد كان ثالث أيام عيد الأضحى 21-10- 1980، عوضني الله به بعد وفاة شقيقته البكر، وها هو اليوم يتذكر عيد مولدي، رغم الأسر والمعاناة التي يعيشها" تضيف أبو وهدان .
لم تترك العائلة زاوية في المنزل إلا ووضعت فيها صورة لأسيرها، وتنتظر أن يتحقق حلمها بأن تغمره في ليلة عرسه، حتى انها كانت تشتري الملابس للأطفال الصغار.
وتقول أبو وهدان "هذه لأولاد محمود بعد تحرره من الأسر، أملي بالله كبير أن أراه خارج السجن". وتعاني العائلة من حرمان بعض أفرادها من زيارته، بعد منع السلطات الإسرائيلية إعطائهم تصاريح دائمة من أجل الزيارة.
معاناة اللجوء والنكبة التي مر عليها 68 عاما لم تفارق ذهن الأسير أبو وهدان، رغم ما يعيشه في الأسر، فقد كتب في هذه الذكرى مقالا قال فيه "ان ترحل، وتحمل حزنك، وخوفك، ومستقبلك المجهول بين ضلوعك، وفي يدك اليسرى تمسك طفلك، الذي لا يكاد يقوى على المسير، ويبتلع آهاته، بينما الدموع تحجرت في عيونه، وفي يدك اليمنى تحمل وسادة ملفلفة بشرشف صغير، ظنا منك أنك تحمل طفلك الآخر الصغير، وتركض حافي القدمين على الأشواك، والحصى، وبين الجثث المنشورة في كل مكان، دون أن تشعر بقدميك، وكأنك جزء من إنسان آخر.
وتابع "أن تُطرد من أي بقعة تصل إليها بالتهمة التي أصبحت مرادفة لاسمك، فلم يعد أسمك محمد، أو محمود، أو عيسى، فأنت لاجئ فلسطيني، لا بطاقة لك تدل عليك، رغم أن ملامحك عربية، وتقاسيم وجهك المُغبر الشاحب تتحدث بأنك فلسطيني، وجبهتك بطاقتك المكتوب بالنكبات، والنكسات، ومختومة بالدماء، فأنت متهم إلى أن يثبت موتك، وأنت ملاحق ودمك مهدور أينما حللت، بين أشقائك، أو بين أعدائك".
معاناة عائلة أبو وهدان تنطبق على كثير من العائلات الفلسطينية التي تنتظر الإفراج عن أبنائها، فحسب احصائيات نادي الأسير، فإن عدد الأسرى في سجون الاحتلال بلغ نحو 7000 أسير، منهم نحو 350 طفلاً، و47 أسيرة، بينهم 11 فتاة قاصر، موزعين على 23 سجن، ومركز توقيف وتحقيق.