سرّ استهداف مقبرة "الرحمة" التاريخية في القدس!
(راسم عبد الواحد(
ما حدث يوم أمس من منع قوات الاحتلال لدفن سيدة مقدسية بمقبرة باب الرحمة لن يكون الأخير في سلسلة حلقات استهداف المقبرة التاريخية التي يمتد عمرها الى العهد الاسلامي الأول، وتضم جثامين كبار الصحابة، من أبرزهم: عبادة بن الصامت، وشداد ابن أوس، إضافة إلى رفات مئات الشهداء من الشخصيات الإسلامية المرموقة، ومن شهداء الانتفاضتين الأولى والثانية.
تقع المقبرة على بعد عدة أمتار من مدخل البلدة القديمة في القدس من جهة باب الأسباط ممتدة بمحاذاة سور المسجد الأقصى الشرقي للوصول الى مشارف بلدة سلوان جنوبا.
وأجبرت قوات الاحتلال عائلة السيدة المتوفاة على حفر قبر آخر لها بغير المنطقة "المُصادرة"، وتقع بمحاذاة سور المسجد الأقصى، فما سرّ إصرار الاحتلال على استهداف هذه المقبرة؟!.
من جانبها، تفرض قوات الاحتلال رقابة يومية صارمة على المقبرة، خاصة على أجزائها الجنوبية، وتمنع بناء القبور ودفن الموتى الفلسطينيين فيها، بدعوى أن جزءاً من تلك المقبرة مصادر لصالح سلطة حماية الطبيعة "الإسرائيلية" ولبلدية الاحتلال اللتين تخططان لإقامة مسارات تلمودية على المساحات المُصادرة، تشكل جزءاً من سلسلة مسارات طويلة تلتف حول البلدة القديمة من القدس، لترتبط بعدد من مخططات الاستيطان التهويدية الجارية في منطقة ما تسميه سلطات الاحتلال "الحوض المقدس".
من جهته، أكد رئيس لجنة رعاية المقابر الإسلامية في القدس المهندس مصطفى أبو زهرة، أن المقبرة "حق مقدس للمسلمين وحدهم، وهي مقبرة إسلامية تاريخية، قائمة على أراضي أوقاف إسلامية، ولها طابو ومثبتة بالخرائط، وليس لليهود أي حق فيها".
وقال أبو زهرة لمراسلنا "إن سلطات الاحتلال كانت وضعت أسلاكاً شائكة، في وقت سابق، على مساحة 40% من أراضي المقبرة، بذريعة أن تلك الأراضي هي أراضٍ مصادرة لصالح حدائق تلموديه كما تدعي سلطة الطبيعة بمؤسسة الاحتلال".
ولطالما اعترضت دائرة الأوقاف الاسلامية على انتهاكات الاحتلال لمقبرة باب الرحمة، وأكدت أن الاعتداء على المقبرة يعد جزءا من سلسلة الاعتداءات المستمرة على المسجد الأقصى الهادفة للاستيلاء على الأقصى وما حوله، علما أن المقبرة تعتبر الموقع الوحيد حول المسجد الأقصى المتبقي تحت السيادة والسيطرة الفلسطينية.
بدورها، تعتبر سلطات الاحتلال والجماعات اليهودية المقبرة الاسلامية موقعا استراتيجيا لإحكام السيطرة على المسجد الأقصى ببناء نفق يمتد من باب الأسباط، وحديقة تلمودية ممتدة للقصور الأموية (جنوب الاقصى)، وتدشين قطار هوائي يصل لساحة البراق لتطويق الأقصى للمضي قدما لبناء الهيكل المزعوم.
وتصل مساحة المقبرة إلى نحو 23 دونما وتمتد من باب الأسباط بطول 261 مترا ملاصقة لأسوار المسجد الأقصى من الجهة الجنوبية الشرقية حتى منطقة القصور الأموية.
ويستدل من ملف دعوى الملكية على جزء من أرض المقبرة الذي قدمه رجل الأعمال اليهودي المدعو آريه كينغ، وبقي طي الكتمان حتى أكتوبر/تشرين الأول 2012، حين منعت سلطات الاحتلال دفن سيدة مقدسية من عائلة القراعين، على أن أرض المقبرة مصادرة بقرار من بلدية الاحتلال العام 1995، في حين عقدت محكمة الاحتلال العليا جلسات بين عامي 2004 و2009 دون علم أو إبلاغ الأوقاف الإسلامية الراعية للمقبرة والتي طعنت بالإجراء وشرعية القرار، ورفعت دعوى لإبطاله وإلغاء المصادرة مع تأكيدها بأن المقبرة أرض للوقف الإسلامي.
وطالب مقدم الدعوى (الذي يزعم أن أجداده دفنوا بمقبرة باب الرحمة ويدعي ملكيته لجزء من مساحتها بنحو 1800 متر تحتوي على 95 قبراً منها 39 قبرا صدر بحقها أوامر هدم) المحكمة باستصدار أمر احترازي يلزم دولة "إسرائيل" بهدم وإخلاء الأرض من القبور ومنع المسلمين من دفن موتاهم.
واستجابت المحكمة لطلبه بمنع دفن الموتى، لكنها امتنعت عن استصدار قرار بإخلاء وهدم القبور، مشيرة إلى أن مثل هذا القرار والإجراء يحتاج إلى قرار سياسي من الحكومة.
من جهته، أوضح مركز معلومات وادي حلوة بسلوان أن سلطات الاحتلال طمست قبل فترة وجيزة جزءا من أرض المقبرة، وزرعتها بالعشب الأخضر، ونفذت أعمالا لتطوير بنى تحتية لتحويل أرض المقبرة لمسار سياحي يربط بشبكة الأنفاق.
ونقل المركز عن مديره جواد صيام قوله" إن وقفة الأهالي وتصديهم لمحاولات الاحتلال وتصديهم لها، حال حتى هذه المرحلة دون طمس وهدم القبور، أو وضع يد الاحتلال على الأرض، وسيطرته على المقبرة التي تحولت لثكنة عسكرية"، لافتا الى إحاطة المقبرة بشبكة من كاميرات المراقبة التي ترصد الجنازات، ويرافقها كذلك تفتيش استفزازي لجنود الاحتلال الذين يتعمدون إعاقة دخول الجنازات، والاستفسار عن مواقع الدفن، ومن يخالف التضييق المفروض والحظر من قبل سلطات الاحتلال باستعمال العديد من أراضي المقبرة، يجد نفسه عرضة للتحقيق، والاعتقال.
أمّا مدير التعليم بدائرة الأوقاف الإسلامية الشيخ ناجح بكيرات فحذر في تصريح صحفي، من الأطماع اليهودية في أرض المقبرة بمنع المسلمين من دفن موتاهم بقصد تجفيفها لتتلاشى الهوية الإسلامية، والحضارية، للمكان وقطع التواصل معها، لمصادرتها لبناء حديقة تلمودية، تكون امتدادا للحدائق التي شرعت بتدشينها بمنطقة القصور الأموية، وبذلك يتحقق هدف الاحتلال بوضع موطئ قدم، بالجهة الجنوبية الشرقية للأقصى.
ويخشى المقدسيون من وضع الاحتلال يده كاملا على المقبرة كما حصل بمقبرة مأمن الله قرب باب الخليل من أبواب القدس القديمة، وطالبوا دائرة الأوقاف الاسلامية بالتدخل والطلب من الحكومة الاردنية-من خلال الوصاية الأردنية على مقدسات القدس-بالعمل على وقف تعديات الاحتلال على المقبرة التاريخية.