مشهد واحد لهذا اليوم: حرب
جميل ضبابات
يوحي انتظام سرب حمام بري يقضي وقتا فوق أسلاك ضغط كهربائي عال بأجواء هادئة ايجابية، إلا أن وصول جسور فوق جرارات ضخمة لعبور آليات مدفعية في منطقة الفارسية شمال الضفة الغربية يقلب المشهد رأسا على عقب.
يطير السرب ويتشتت في الأجواء عندما تهدر محركات حاملات الجسور الضخمة تحت الأسلاك، فيما تزيد طائرة لحمل الجنود تحلق على انخفاض واضح لتزاحم الطيور، التي فرت للتو من مستوى الضجيج.
وفي تلال مجاورة يهبط العشرات من الجنود الإسرائيليين ليتجمعوا في بؤرة مفتوحة، وفي المحيط يراقب مواطنون فلسطينيون أجواء محتشدة بعلامات الحرب.
واقفا على تلة مشرفة على كل هذا المشهد يقول علان لافي وهو أحد المواطنين الفلسطينيين الـذين يشتكون منذ أيام عبر حسابهم في "فيس بوك" من الضجيج العالي الذي يخلفه اصطكاك جنازير الدبابات وأصوات محركاتها في محيط منزله من قلة النوم، لمراسل وكالة "وفا" إن المناورات العسكرية التي تجري في محيط منزله جعلت الحياة "مستحيلة.. لا نستطيع النوم ولا التحرك".
في الليلة الماضية حاول لافي وعدد من جيرانه في الفارسية، وهي منطقة زراعية يسكنها العشرات من الفلسطينيين تحويل انسياب المياه من خط إلى آخر، الا انهم لم يستطيعوا، بسبب اغلاق الدبابات للمنافذ الترابية التي تقود إلى مناطق سكناهم.
وحتى في النهار تبدو الحركة صعبة الى حد كبير في منطقة اصغر آلية فيها يمكن أن تغلق طريقا عرضها ثلاثة أمتار.
وبدأت قوات الاحتلال الاسرائيلية منذ أيام أضخم عملية مناورات على امتداد القطاع الشمالي من منطقة الغور، الشريط المنخفض عن الضفة الغربية، والذي يخضع لسيطرة اسرائيلية كاملة، باستثناء بعض القرى الزراعية الصغيرة اضافة الى مدينة اريحا.
وامكن مشاهدة ارتال طويلة من الآليات العسكرية الإسرائيلية تربض في مرابض اقيمت مؤخرا لهذا الغرض.
وواحد من اكبر تلك المرابض على بعد امتار من سكن لافي الذي يتكون من هياكل حديدية مجللة "بالخيش".
في ليالي كانون الأول الطويلة يقضى السكان ساعات طويلة يتقلبون في فراشهم كما قالوا بسبب اطلاق الدبابات القذائف نحو الجبال الواقعة الى الغرب، والتي تحجب مدن وقرى شمال الضفة الغربية.
في الطريق الى الفارسية امكن مشاهدة القذائف تسقط في اعالي الجبال، وتحديد أماكنها بعد انفجارها، وانبعاث غلالة من الدخان الرمادي الكثيف.
يقول سكان المنطقة "ان اطلاق القذائف لم يتوقف منذ اسبوع".
وشوهدت المدافع تصوب نحو مراكز أهداف في الجبال الغربية. وفي كل مكان على طول الطريق التي تربط شمال الضفة الغربية بشمال الغور شوهدت ارتال الدبابات، ومجموعات راجلة من الجيش تتحرك بانضباط، وتدخل الى الحقول الزراعية، والاراضي البور التي يتأهب المواطنون الفلسطينيون لزراعتها، بعد موجة الأمطار الأخيرة.
وقال سكان من المنطقة كانوا على بعد عشرات الامتار من مركز التحكم بحملة المناورات "إن هكذا حملة عسكرية ضخمة لم تحدث في المنطقة من قبل".
وفي ميدان التدريب تظهر تشكيلات مختلفة من الآليات العسكرية المجهزة للحروب البرية، والرعاة الفلسطينيون أحجموا عن دخول الكثير من المناطق التي تجري في محيطها التدريبات.
وتعد المنطقة المرعى الطبيعي الأكبر في الضفة الغربية، ومنذ العام 1967 استغلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منطقة الغور، التي يعتقد الى حد كبير أنها تشكل نحو ربع مساحة الضفة الغربية كميدان مفتوح للرماية.
وفي السنوات التي أعقبت حرب تشرين التحريرية عام 1973 بنيت المعسكرات الكبيرة التي تستخدم لأغراض التدريب.
على بعد أقل من 5 كيلومترات من سكان لافي وجيرانه وعلى بعد مئات الأمتار من واحدة من اشهر ينابيع المياه الحارة التي نضبت خلال السنوات الأخيرة، أقيم واحد من أكبر معسكرات الجيش الإسرائيلية.
عمليا، هو واحد من المعسكرات التي تسيطر على مناطق من المفترض أن تكون محمية طبيعية.
وقال رعاة المنطقة، إن الدبابات التي تستخدم في حملات المناورات على مدار السنة تربض في داخل هذا المعسكر.
ويميل كثير من سكان المنطقة الى السكان بعيدا عن هذه المعسكرات، ولكن مناورات الأيام الأخيرة حولت كل المنطقة الى معسكر كبير.
"وصلوا إلى عتبات المنازل (...) داست جنازير الدبابات المزارع، وصناديق الخضار الفارغة" قال لافي فيما كان ينقل حفيدته من منطقة مطلة على مركز المناورات إلى الجهة المقابلة لمكان سكنه.
ويسري شعور عميق بالغضب في أوساط المواطنين الفلسطينيين، إلا أن سيارة متنقلة لتحصين البوظة من حرارة دافئة نسبيا بعد أيام شتوية باردة، تدخل الى مركز التحكم بالمناورات، لانعاش جنود منهكين بعد ليال طويلة من التدريب توحي باضطراب المشهد مرة أخرى في المنطقة.
قال لافي، "يأكلون بوظة ونحن تحت النار" وفي المدى السمعي القريب يمكن سماع انفجارات متتالية لقذائف تطلق من فوهات المدفعيات القريبة في المنطقة، التي يهرع إليها الفلسطينيون أيام الربيع، بحثا عن الهدوء، والورود.