حِمصة الفوقا.. فصول سوداء
تبوح التجاعيد في الوجه الحنطي لعلي أبو كباش، بقصة حمصة الفوقا، التجمع الغوري الصغير الذي يعاني التهويد والاستهداف الإسرائيليين، ويعيش على وقع ممارسات يومية تسعى لاقتلاع المواطنين.
وبحلاف الكوفية البيضاء للراوي الستيني، فإن 19 عائلة في حمصة الفوقا (نحو 200 مواطن) يعيشون فصولا سوداء كل يوم، تجعلهم رهائن لفنون جديدة من عدوان الاحتلال، وتسمم حياتهم بكل تفاصيلها.
يقول أبو كباش، ضمن الحلقة (56) في سلسلة "أصوات من طوباس"، التي تنظمها وزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية: إن ممارسات الاحتلال في المنطقة بدأت منذ عام 1967، لكنها تتواصل بأشكال قاسية جديدة كل فترة، ويشبهها بأفلام رعب لا تنتهي.
يتابع: جاء والدي فريج إلى المنطقة عام 1950 من بلدة السموع في محافظة الخليل، وأقام تجمعا في حمصة الفوقا، لكن النكسة والسنوات التي تلتها، جعلتنا نذوق العلقم من الاحتلال، وانقلبت حياتنا.
"اعتقال" أغنام!
ووفق الراوي، فقد بدأت ممارسات الاحتلال عام 1969 بإطلاق جنود الاحتلال النار على قطعان الأغنام في حمصة الفوقا ومناطق عين البيضاء وعين شبلي، حين كان هو ورفاقه الرعاة يقصدون ينابيع المياه، أو يطلبون أماكن العشب الخصبة.
يتابع أبو كباش: بعدها صرنا نتعرض للاعتقال ونحن نرعى أغناما، فكانت الدوريات تلاحقنا وتنقلنا إلى أريحا، وتعقد لنا محكمة عسكرية سريعة، وندفع غرامات كبيرة كانت تصل 400 دينار، وحين أنهوا من هذا "الفيلم" صارت الطائرات تلاحقنا في الجبال، وتعتقل من تصل إليه، وتحتجزه في أريحا عدة أيام.
يضيف: أنهوا مسلسل ملاحقتنا بالطائرات، و"طلعوا لنا" بمسلسل تحميل الأغنام في شاحنات كبيرة، فحين كنا نرعى قطعاننا بسهل البقيعة وجبال الأغوار، كانت تنتظرنا دوريات الاحتلال، ومعها شاحنات كبيرة، لتلحق بالأغنام وتحملها وتذهب بها إلى معسكر "الكرنتينا" بمنطقة فصايل، ويبرمجون ذلك في أيام الخميس والجمعة والسبت، وفي يوم الاثنين يفرجون عن ماشيتنا، بعد إجبارنا على دفع 10 دنانير عن كل رأس يحتجز بين 48-96 ساعة، دون إطعام أو سقاية ماشيتنا طوال تلك الفترة.
مصادرة وغرامات
واستنادا إلى أبو كباش، فإن المسلسل الإسرائيلي لم ينته عند هذا الحد، فقد بدأ الاحتلال بمصادرة الجرارات الزراعية وصهاريج المياه، التي تنقل الماء إلى حمصة الفوقا، واحتجازها في أريحا مدة تصل أحيانا إلى سبعين يوما، وفرض غرامة على أصحابها.
يوالي: صرنا اليوم في فيلم جديد، فيأخذوا منا النهار ويجبروننا على إخلاء بيوتنا بحجة التدريبات، ونظل من السادسة صباحا حتى السادسة مساء في العراء. ويختار الاحتلال التدريب إما في عز الصيف ودرجات حرارة تفوق الأربعين، أو في الشتاء والبرد، وهم يحولون حياتنا إلى جحيم يومي، و"يمرمرون عيشتنا"، ويهدفون من ذلك ترحلينا.
ويتابع أبو كباش، الأب لابنتين وولد واحد، فإن أفلام الاحتلال متواصلة، فقد هدم الجنود منزله وبركسات أغنامه عام 1998 أول مرة، وكرروا فعلتهم عام 2014، وصادروا الكثير من مقتنياته، ومنعوا سيارات المساعدات من الوصول إليه.
ويتنقل الراوي بين أراضي حمصة الفوقا: العديلة، وغبشة، والحواكير، وخلات أبو عنيز، ويعجز هو والعائلات المجاورة عن تأمين المياه بشكل طبيعي، فالنقل عبر صهاريج المياه ممنوع، ولا شبكات مياه محلية تصل المنطقة، وحفر الآبار لجمع مياه الأمطار ممنوع.
طفولة وعطش
بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف إلى أن "أصوات من طوباس" تتبعت هموم الأغوار الشمالية عبر إنتاجها لفيلمين وثائقيين عالجا استلاب الطفولة في تجمع المالح، ونهب مياه عين الساكوت وأراضيها.
وأضاف: وثقت الوزارة منع الوصول المزارعين من الوصول إلى الجبال والحقول، وتابعت الشهداء الذين أوقت الألغام الإسرائيلية أحلامهم، ورصدت أشكال العطش الذي يعانيه الأهالي.