ابن العم البرازيلي!.. موجود واسمه منير
جميل ضبابات
في العام 1927 تزوج أحمد حسونة أبو غوش من نعمة سعدات أبو غوش، في القرية التي تحمل اسم العائلة وتقع إلى الشمال الغربي من مدينة القدس.
في العام التالي انجبت نعمة الابن البكر محمد وبعد عامين انجبت موسى... وحتى العام 1959 كانت الام التي توفيت في العام 1992 انجبت 8 ذكور و3 إناث.
لكن بين العام الذي تزوجت فيه والعام الذي رحلت فيه عن الدنيا حدث الكثير من الاحداث التي هزت العالم وهزت ابو غوش ذاتها.
فقد انتهت الحرب العالمية الثانية ودارت حروب كثيرة اخرى وذابت بلدان داخل حدود بلدان اقوى، وتهاوت احلام الكثير من البشر على امتداد العالم،
وايضا وقعت كل فلسطين التاريخية تحت الاحتلال وفقد الفلسطينيون وطنهم التاريخي.
ونتيجة لذلك انقطع اتصال آل ابو غوش مع الابنين محمد وموسى اللذين انقطعت اخبارهما بعد ان هجرت العائلة وظل الابنان اللذان كانا يعملان وقتها في القدس داخل البلاد التي احتلت عام 1948.
لم يطق الابن موسى ما جرى، ولم يجد امامه في ذلك الوقت الا الهجرة من القرية التي تركتها العائلة، فانطلق نحو اميركا اللاتينية ليحط الرحال في البرازيل، التي كانت وجهة للكثير من سكان شاطئ المتوسط الهاربين من الاحتلال والجوع والفقر.
تشتتت عائلة ابو غوش في انحاء العالم مثل ملايين الفلسطينيين الذين يسمون فلسطينيي الشتات، ويصل عددهم في الدول العربية حسب احصاءات رسمية نحو 6 ملايين فلسطيني في الدول العربية وغير العربية.
منير (44 عام) الذي يتم تداول اسمه عبر صفحات فيس بوك الخاصة بالعديد من ابناء عائلة ابو غوش المتواجدين في دول العالم وفي القدس، هو واحد من الملايين الستة الذي عثر عليه قبل ايام معدودة!
كان أصغر أبناء احمد ونعمة، نهاد ابو غوش الصحافي الفلسطيني الذي نادرا ما يستخدم فيس بوك، الا انه عندما استخدمه امس حمل بشرى لآل ابو غوش: فقد تم العثور اخيرا على ابن شقيقه موسى في البرازيل بعد رحلة بحث استمرت لسنوات طويلة.
منير الان يبلغ من العمر 44 عاما ويسكن في مقاطعة سانتوس، لكن خلال الايام القليلة الماضية اصبح عليه ان يتعرف على آل ابو غوش ليس فقط في القدس ورام الله، انما أولئك المنشرون في الشتات ايضا.
عليه ان يستخدم اللغة الانجليزية للدخول الى الحاضنة الاجتماعية الجديدة التي تتحدث لغات مختلفة، ولا تتقن البرتغالية التي يتقنها هو.
"تشتتت عائلة ابو غوش في كل العالم. عليه الان ان يتعرف على كل الاقارب" قال نهاد لمراسل وكالة "وفا".
يظهر "فيس بوك" منير فعالا بالسلام مع الاقارب.
السلام ورد السلام.
انها فقط البداية. مد اليد الى اليد التي كانت ضائعة لسنوات طويلة خلف البحار.
بعد ان توفي موسى في العام 1999 انقطعت اخبار العائلة تماما في البرازيل، والآن على اجيال مختلفة من آل ابو غوش اختصار كل تلك السنوات على منير الذي يتلقى طلبات اضافة متتالة من العائلة.
في صفحة منير يمكن ملاحظة حالة التيه في تحديد الاقارب. يرسل د. مراد ابو غوش رسالة الى حائط منير العام:
مرحبا ابن العم البرازيلي
كيف حالك؟ جيد ان نسمع منك! ابق على اتصال.
يجيب منير:
اهلا بابن العم. انا جيد وسعيد للحديث مع عائلتي. لكني اريد ان اعرف اولا: انت ابن ذلك العم؟
كان في الامر إشارة سرية معينة يعرفها كلاهما.
وتستمر النقاشات بين ابناء العام، ليبين ان منير يحتفظ بهدية قديمة من مراد الذي التقى بالعم سلامة وزوجته اللذين زارا ابو غوش مرة واحدة في بداية التسعينيات من القرن الماضي والتقيا مراد لنصف ساعة عندما كان معتقلا لدى السلطات الاسرائيلية، واهداهما علما فاهدياه لمنير الابن الذي احتفظ به كهدية يتيمة من ارض الآباء والاجداد.
الآن تذكر أبناء العم هذه الحادثة تماما.
اذا هذه هي الإشارة السرية بين ابناء العم.
وهناك ثمة صورة تحتفظ بها والدة منير وبقايا صور في ذاكرة مراد عن العائلة المشتتة في العالم.
في الجانب الاخر من العالم تعيش عائلة منير، وفي ابو غوش اصبحت صفحات فيس بوك الاقارب تضج بالتهنئة.
بعد ان انتهت ربى ابو غوش الاخصائية النفسية وهي حفيدة احمد ونعمة من زيارة صربيا قبل ايام لرؤية ابن خالها حسين الذي وجدوه ايضا في صربيا بعد سنوات طويلة من البحث قبل سنة.
وضعت ربى الصورة تلو الصورة لابن الخال حسين في صربيا.
قبل سنة عندما عثر على صلاح الدين ابن العم الصربي ابن محمد قالت لما ابو غوش وهي شقيقة ربى مازحة "في العام القادم ربما نذهب الى البرازيل لنجد منير".
"في العام القادم (هذا العام) تحولت الامنية الى حقيقة" قالت ربى لمراسل "وفا".
"لقد وجدنا منير قبل ايام بعد عملية بحث طويلة استمرت سنوات" اضافت.
في الحقيقة فشلت ريتا ابنة نهاد التي زارت البرازيل لغرض تقديم محاضرة في احدى الجامعات، لكنها استغلت الوقت للبحث عن منير ولم تجده "بحثت واقتربت من الولاية التي يعيش فيها ولم تجده" قال نهاد. "وجدناه هذا العام (...) فقط قبل ايام".
انها قصة تكتب بالدموع.
حتى العام 1967 انقسمت العائلة وتشتتت بين دول العالم، لكن نهاد يقول "حتى ذلك التاريخ انعزلنا عن اخينا محمد في الارض التي احتلت عام 1948، وبعد ذلك التاريخ استطعنا رؤية محمد لكن انقطعنا عن اخواننا في الخارج".
خلال السنوات الماضية التي تلاشت فيها الحدود المعنوية بسبب ثورة التكنولوجيا اصبح الفلسطينيون اكثر انفتاحا على بعضهم البعض، فالرسائل الورقية الكلاسيكية التي كان يرسلها موسى لأشقائه وشقيقاته وتصل بعد شهرين قادمة من البرازيل، اصبحت تصل عبر فيس بوك خلال جزء من الدقيقة.
"هكذا حصل. انا ارسلت لمنير الرسالة لأعرفه على نفسي "قال العم الاصغر نهاد".
"اصبحنا اقرب."
لقد انجب نعمة ابو غوش من احمد ابو غوش 11 ابنا وبنتا، لهم احفاد كثيرون ينشرون في كل العالم. في العام الذي هجر فيه احمد ونعمة من القرية التي تقع على طريق القدس- يافا لم يحملا سوى جنسية واسم القرية الصغيرة (ابو غوش). الآن يحمل الابناء والاحفاد جنسيات كثيرة.
إنه مشهد سوريالي.
يقول نهاد: "ابو غوش يحملون هويات اسرائيلية، وفلسطينية، واردنية، وبرازيلية، وكندية، واخرى يعيشون في القدس بدون ملامح كاملة لجنسيتهم".
تشير بيانات رسمية حديثة للجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء الى ان حوالي نصف الاسر الفلسطينية لديها خدمة انترنت.
والفلسطينيون الذين وجدوا في "فيس بوك" بابا مفتوحا على ذويهم في الشتات، وجدو فيه ايضا طاقة صغيرة للبوح بالحنين الى الاقرباء الذين طوت الحدود سمات وجوههم خلفها.
مثل وجه منير صاحب العينين الملونتين.
تشير البيانات الى ان نسبة من يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي ضمن الفئة العمرية 10 سنوات فاكثر، تصل الى 3 ارباع الفلسطينيين.
من بين هؤلاء اولاد وبنات واحفاد احمد ونعمة الذين لم يلتقوا مطلقا تحت سقف واحد او وطن واحد.
فحتى في ذلك العام الذي زار فيه موسى القرية في بداية التسعينيات كان نهاد ذاته مسجونا وحسين في منفاه في يوغسلافيا السابقة.