الدهيشة وعايدة والعزة.. المواجهة التي لا تنتهي
يامن نوباني
في سنوات انتفاضة الحجارة، كان السؤال الصباحي السري المتداول في أوساط شبان الدهيشة بين جدران المخيم: هل قمت ليلة أمس بشيء ضد الاحتلال؟ كان البعض يشعر بالحرج لأنه لم يقم بأية فعالية احتجاجية ضد الاحتلال.
تقول القاعدة المنطقية على الأرض: ما دام هناك اعتقالات، هناك مقاومة. وهذا ما يثبته كل فجر يطلع على مخيمات بيت لحم الثلاثة: الدهيشة وعايدة والعزة "بيت جبرين"، حيث تتعرض لاقتحامات ليلية، تؤدي في نهاية معظمها إلى اعتقال أعداد من الشبان، وتنكيل بالمواطنين وإرهابهم بإطلاق الرصاص وقنابل الصوت في منتصف الليل، إضافة إلى العبث الكبير بالممتلكات والبنية التحتية في المخيمات.
بلغ عدد شهداء محافظة بيت لحم منذ العام 1967 أكثر 350 شهيدًا، وآلاف الجرحى والمعتقلين. وفي وقتنا الحاضر يقبع 550 أسيرا من المحافظة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، أقدمهم ناصر أبو سرور ومحمود أبو سرور، المعتقلان منذ العام 1993 ومحكومان بالمؤبد.
وبحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين، فإن 38 أسيرا من محافظة بيت لحم محكومون بالسجن المؤبد، و48 أسيرا قيد الاعتقال الإداري، بينما وصل عدد الأسيرات إلى 4، بينهن ميسون موسى، التي صدر بحقها حكم بالسجن لمدة 15 عاما.
أحد ضباط الاحتلال كان هدد مخيم الدهيشة قبل أشهر، قائلًا: كلكم ستسيرون على عكازات. في إشارة إلى نية إطلاق النار على المناطق السفلية من أجسادهم، وخاصة منطقة الركبة. وهذا ما أكدته الأحداث، حيث أصيب العديد من الشبان في المخيمات الثلاث وخاصة الدهيشة، بحالات إعاقة جسدية، نتيجة رصاص القنص خلال المواجهات أو بدونها، حيث أصيب بعضهم خلال انسحاب الجنود دون أن يكون على الأرض أية احتكاكات.
وفي وقت سابق من العام 2015، خاض أربعة أسرى إداريين من الدهيشة، إضرابا مفتوحا عن الطعام استمر أكثر من أربعين يوما احتجاجا على اعتقالهم الإداري التعسفي.
في الدهيشة، لا تخلو الجدران من صور أبو عمار وجورج حبش وأبو علي مصطفى وأحمد ياسين وأحمد سعدات ومروان البرغوثي، وصرخة الأديب الشهيد غسان كنفاني: "لا تمت قبل أن تكون نداً".
قدم الدهيشة في الهبة الشعبية التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، الشهيدين معتز زواهرة، ومالك شاهين، ليلتحقا بأكثر من سبعين شهيدا قدمهم المخيم في تاريخه المشتعل من التضحيات. واستشهد في سجون الاحتلال أسيران من الدهيشة، وهما: علي الجعفري، خلال مشاركته في الإضراب المفتوح عن الطعام في سجن نفحة سنة 1980، وذلك نتيجة الإهمال الطبي، وغسان اللحام في سجن الرملة سنة 1985، نتيجة التعذيب.
الحاخام المتطرف "موشيه ليفنغر" نصب على مدخل الدهيشة خيمة احتجاج عنصرية في انتفاضة الحجارة، وأقام الجيش في تلك الفترة سياجا شائكا حول المخيم، كعقوبة جماعية على المقاومة، لمنع الشبان من رشق قواته بالحجارة، وظل السياج يحيط ويحاصر الأهالي عدة سنوات، إلى أن خلعوه.
ويعرف مخيم الدهيشة أنه أحد قلاع اليسار الفلسطيني حتى أواخر السبعينيات، لا سيما الجبهة الشعبية والحزب الشيوعي، وكانت حركة فتح ثالثًا من حيث الجماهيرية والعمل الشعبي، وفي العام 1988، قدم المخرج الفلسطيني ناظم شريدي مسلسل "صيف فلسطيني حار"، تناول فيه الدور الكبير الذي لعبه مخيم الدهيشة في انتفاضة الحجارة. كما أخرج المخيم من بين أزقته وفقره وظلامه، الأدباء والمفكرين والشعراء والصحفيين الكبار.
وبحسب مصادر محلية، فقد بلغ عدد المنازل التي هدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 15 منزلا، وتضرر أكثر من 50 منزلا بسبب القصف والعدوان. وبلغ عدد الشهداء في مخيم الدهيشة أكثر من 70، فيما تجاوز عدد الجرحى 800. وبلغ عدد الأسرى أكثر من 500، منهم أكثر من 20 محكومون بالسجن المؤبد، وجرى إبعاد 8 من شبان المخيم خلال حصار كنيسة المهد في العام 2002، خمسة منهم أبعدوا إلى غزة، وثلاثة إلى أوروبا.
ويعتبر الأسيران المحرران عيسى عبد ربه من مخيم الدهيشة، وخالد الأزرق من مخيم عايدة، عميدي أسرى المحافظة، حيث أمضى كل منهما 30 عاما خلف قضبان الاحتلال.
ويعد الدهيشة أكبر مخيمات بيت لحم تعدادا للسكان، حيث تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء إلى أن 10.995 نسمة يعيشون في المخيم، الذي أقيم في العام 1949، جنوب مدينة بيت لحم، ويبعد عنها حوالي ثلاثة كيلومترات، على يسار الطريق الرئيسي، (بيت لحم- الخليل)، ويبعد عن مدينة القدس 23 كيلومترا.
على بعد مئات الأمتار من الدهيشة، يقع مخيم عايدة (3.311 نسمة)، على المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم، والذي أنشئ في العام 1948، ويحد المدخل الجنوبي لمدينة القدس (على بعد 10 كيلومترات جنوب القدس)، ومدخله الرئيسي مغلق بالحواجز الإسرائيلية والمكعبات الإسمنتية من جهة مسجد بلال بن رباح (الذي تحول إلى كنيس بعد حرب 1967 ويطلق عليه الإسرائيليون "قبر راحيل" على شارع القدس - بيت لحم- الخليل)، وهذا يشكل نقطة عسكرية إسرائيلية دائمة لمراقبة المواطنين والمدينة ككل، ومضايقتهم يوميا.
شكل عايدة نقطة مواجهة عنيفة مع جنود الاحتلال خلال الهبة الشعبية الأخيرة، وقدم ثلاثة شهداء، وهم: الطفل عبد الرحيم عبيد الله، والشاب عبد الحميد أبو سرور، والشاب سرور أبو سرور، ومئات الجرحى والمعتقلين. وبحسب ناشطين في المقاومة الشعبية، فإن المخيم قدم منذ نشأته 40 شهيدًا، وأفادت مصادر محلية بوجود 70 شابا من المخيم في سجون الاحتلال.
في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، أظهر فيديو بثه ناشطون، خلال اقتحام الاحتلال لعايدة، صوت جندي وهو يتوعد أهل المخيم في حال استمروا برشق الجنود بالحجارة، بقتل عائلاتهم وأبنائهم والمسنين، بالغاز وقتل كل المخيم.
"سنقتلكم بالغاز، أطفالا ومسنين، اخواتكم، أهلكم جميعا، لن نبقِ منكم أحدا، كلّكم ستُقتلون"، هكذا هدّد أحد ضباط الاحتلال عبر مكبّر الصوت من سيارة عسكرية، أهالي مخيم عايدة خلال اقتحام المخيم نهاية تشرين الأول 2015، بحجة أن أطفال المخيم يرشقون جنود الاحتلال بالحجارة.
بعدها بأربعة شهور اقتحمت 13 آلية عسكرية مخيم الدهيشة، ونزع جنود الاحتلال لافتة على مدخل المخيم وقعت باسم "حرّاس المخيم"، وكُتب عليها باللغتين العبرية والعبرية: "لنضال (ضابط إسرائيلي) وجنوده.. حجارة الدهيشة ترحب بكم.. هنا مقبرتكم".
قبل الجدار، كانت المناطق التي صادرها الاحتلال من شرق وشمال المخيم، متنفسا للمواطنين، الذين وجدوا أنفسهم محشورين في بقعة ضيقة من الأزقة والبناء المتلاصق.
وفي قلب مدينة بيت لحم، أُقيم مخيم العزة عام 1949. بلغت مساحته عند الإنشاء حوالي 24 دونماً، وهو من أصغر المخيمات في الضفة الغربية، وبلغ عدد سكانه في العام 2016، نحو 1.924 نسمة.
وقدم العزة عددا من الشهداء والجرحى والأسرى، في نضاله المتواصل ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وتشكل المخيمات الثلاثة معا 16.230 نسمة، فيما يبلغ تعداد سكان محافظة بيت لحم نحو 222 ألفا.