فلسطين تنتصر
لم يكن الرئيس ابو مازن، وهو يدفع بالحراك السياسي الفلسطيني، الى مجلس الأمن الدولي، لينتزع قرارا لا يدين الاستيطان الاسرائيلي فحسب، بل ويدعو الى وقفه فورا وبشكل تام، لتنجو عملية السلام من خطر التدمير الذي يمثله الاستيطان البغيض، لم يكن الرئيس ليدفع بهذا الحراك الى هذا المستوى، وهذا المحفل الدولي بالغ الاهمية والشرعية، وهو يقلب حسابات المراهنة او المغامرة او التجريب، وانما وهو يدقق ويراجع حسابات الثقة، بقوة الحضور السياسي والدبلوماسي الفلسطيني، ومصداقية طروحاته السلمية، على الصعيد الدولي والعربي، الحضور الذي بات لافتا في علاقاته وتحالفاته الاكيدة على هذا الصعيد، وقبل ذلك وهو يستند الى جدار الثقة والايمان بقوة الارادة الفلسطينية الحرة، وقرارها الوطني المستقل، النابعة من تضحيات شعبنا العظيمة، وصموده وثباته على ارض بلاده، الدلالة الابرز على حتمية انتصاره الذي لم يعد بعيدا ولا بأي شكل من الأشكال.
نعم لم يكن الرئيس ابو مازن مغامرا ولا مراهنا ولا تجريبيا، وانما قائدا مؤمنا بصلابة صمود شعبه وقوة اراداته الحرة، وزعيما حكيما واثقا بصواب منهج العمل السياسي بحراكه الدؤوب، وقدرته على اقتحام الصعب، بل واقتحام والمستحيل لجعله ممكنا، كلما كان مستندا الى سلامة الموقف الوطني بثوابته المبدئية، والى بلاغة الخطاب الواقعي، خطاب الجملة العلمية والعملية، لا جملة الشعار المحمولة على الحروف "القاصفة" التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولهذا السبب بات واضحا وعلى نحو حاسم، ان هذا الحراك السياسي، انما هو حراك الفعل النضالي الصحيح، فعل المقاومة بمشروعها التحرري، واساليبها الناجعة الحضارية والانسانية، وقد اثمر اليوم انتصارا تاريخيا لفلسطين في مجلس الامن الدولي، بتصويت هذا المجلس، وهو اعلى هيئات الشرعية الدولية وبالاغلبية الساحقة على قرار ادانة الاستيطان الاسرائيلي، والدعوة الى وقفه فورا، تصديقا ومصادقة على الموقف الفلسطيني ضد هذا الاستيطان، الموقف الذي اوضح واكد وشدد منذ البداية، ان الاستيطان الاسرائيلي هو الخطر الاكبر الذي يهدد عملية السلام بالتدمير، وان المجتمع الدولي مطالب بالتصدي له اذا ما اراد لعملية السلام ان تمضي الى غاياتها النبيلة .
إنه انتصار المنهج الحكيم، انتصار الواقعية النضالية برؤيتها الصائبة، انتصار الثبات على المبادئ، وانتصار التمسك بالقرار الوطني المستقل، وقبل كل ذلك هو انتصار فلسطين بفعل تضحيات ابنائها العظيمة، انتصار شهداء الارض، انتصار جرحاها واسراها البواسل، انتصار صمودها العظيم .
ولعله لابد من الاشارة هنا ايضا، للحقيقة والضرورة، ان هذا الانتصار هو اول نتائج نجاح المؤتمر العام السابع لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" فهذا النجاح الذي اكد وحدة الحركة، وسلامة اطرها الشرعية، وبنيتها التنظيمية، وتطلعها النهضوي، وسيرها الذي لايحيد عن الصراط الوطني المستقيم، هو الذي جعل من الحراك السياسي على هذه القدر من القوة والحضور في مجلس الامن الدولي، وقد تأكد اعضاء هذا المجلس والعالم اجمع، ان حركة فتح بنجاحها اللافت بعقد مؤتمرها العام السابع وسط تحديات جسيمة، هي الرقم الفلسطيني الصعب الذي تستحيل عملية شطبه او تجاوزه او القفز عنه، وانها بمشروعها الوطني، مشروع الحل العادل طبقا للشرعية الدولية، هي القدوة والقيادة والمنهج القويم .
يبقى ان نشكر كل الدول التي صوتت لصالح هذا القرار التاريخي، اشقاء واصدقاء وبصفة خاصة الصديقات الاربع : فنزويلا ، السنغال، ماليزيا ونيوزلاندا، وسنشكر ايضا الولايات المتحدة لعدم استخدامها "الفيتو" ونحن ادرى بطبيعة علاقاتها الاسرائيلية، شكرا لمجلس الامن، شكرا للشرعية الدولية والامل اليوم ان تواصل هذه الشرعية مسيرتها الفاعلة، على هذه الطريق الكفيلة بتحقيق السلام العادل في هذه المنطقة .
هل نشكر الرئيس ابو مازن على واجبه الوطني ..؟؟ الحق نقول انه يستحق الشكر العميق على حكمته وحنكته ومصداقية خطابه ونهجه، وثباته على هذا النهج بصلابة القائد المناضل المسؤول، شكرا والف شكر، والشكر ابدا لفلسطين الشهداء والجرحى والاسرى، فلسطين التضحيات العظيمة، فلسطين الصمود الاسطوري، فلسطين الكفاح والمقاومة، فلسطين الامل والتطلع، فلسطين العدل والحق والسلام الذي لابد ان يكون، لو لم تكن فلسطين محمولة على كل هذه الحقائق وهذه المعاني وهذه السيرة، لما تحقق لنا اليوم هذا الانتصار، شكرا جزيلا معطرا بالتهاني والتبريكات الطيبة لنا جميعا، الف الف مبروك على هذا الانتصار التاريخي الكبير الذي سندخل به بعد قليل عام 2017 ليكون حقا عام انهاء الاحتلال.
كلمة الحياة الجديدة - رئيس التحرير