المواطن المحتسب الشاهد الحي على جرائم الاحتلال في البلدة القديمة من الخليل
الخليل- يجلس المواطن عبد الرؤوف المحتسب ابن العقد الخامس من عمره كعادته، على كرسيه الخشبي أمام محله لبيع التحف و"العتق"، الذي يبعد أمتار معدودة عن الحرم الإبراهيمي الشريف، صامدا و"حارسا" لهذا المسجد، ويتابع بعيونه تحركات الاحتلال وقمعه واضطهاده لسكان المنطقة الأصليين.
تبدو الحيرة على وجنتيه؛ بسبب ما آلت إليه الأوضاع في البلدة القديمة من مدينة الخليل جراء الويلات والمجازر وعمليات الإعدام الميدانية التي ارتكبها الاحتلال بكثرة منذ بداية تشرين الأول 2015، وفي أزمنة أخرى بعيدة، وكان شاهدا عليها.
ورفض المحتسب كل الإغراءات المادية التي قدمها الاحتلال والجمعيات الاستيطانية له لترك محله التجاري.
روى هذا المواطن، والحزن باديا على صوته فصولا من الألم والمعاناة والظلم، مستذكرا جيرانه وأقاربه الذين استشهدوا في مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف التي ارتكبها المستوطن المتطرف "باروخ جولد شتاين" في عام 1994م، وكان شاهدا عليها، وكذلك على ما تبعها من اعتقالات، وتقسيم لمدينة الخليل، وإغلاق عدد من الشوارع بالبلدة القديمة منها شارع السهلة الذي يقيم فيه.
وذكر المحتسب أنه يدفع فاتورة صموده وبقائه في المنطقة مقابل الحاجز العسكري الذي يفصله عن الحرم الشريف، وأنه يصارع الاحتلال والمستوطنين بشكل متواصل جراء عمليات القمع والإذلال التي يشاهدها يوميا، والمتمثلة بارتقاء عدد كبير من الشهداء الذين أعدموا ميدانيا أمام عينيه في الشارع نفسه، أو على بوابات التفتيش المذلة التي يطلق عليها المواطنين "المعاطة" والمنتشرة محيط المسجد.
وردا على الإغراءات المادية التي الاحتلال وغلاة المستوطنين لدفعه لبيع محله التجاري وبيته الذي يكبر عمره دولة الاحتلال، قال:" إن حجرا في بيتي الذي ورثته عن والدي وجدي يساوي عشرات الملايين، ومهما بلغت قيمة الأموال فلن ينجحوا أبدا في إغرائي".
مخطط ممنهج لتفريغ البلدة القديمة:
ويبين المحتسب أن هناك مخططا ممنهجا لتفريغ البلدة القديمة من سكانها الأصليين بدت واضحة منذ مجزرة الحرم الإبراهيمي، من خلال سياسة الإغلاقات وتضيق الخناق على السكان، ونشر البوابات الالكترونية وكاميرات المراقبة لإحكام السيطرة على جميع المداخل والمنافذ المؤدية للبلدة القديمة.
وتابع: "من يبيع الوطن ليس له شرف أو كرامة"، ونحن لم يتبق لنا إلا الكرامة وسنحافظ عليها، ولن أرحل من هذه المنطقة مهما بلغت قسوة الإجراءات والجرائم الإسرائيلية.
وشدد على أن أبناءه سيحفظون الإرث التاريخي والمتمثل ببيته ومحلة المتواضع، حتى لا يحقق الاحتلال مخططه الرامي إلى إحكام السيطرة الكاملة على شارع السهلة.
دعوة لإحياء البلدة القديمة:
وناشد المحتسب المواطنين من جميع محافظات الوطن لزيارة البلدة القديمة، والصلاة في الحرم الابراهيمي الشريف، لإحيائها، وكسر سياسة الاحتلال الرامية لتهويد المنطقة وتفريغها من المواطنين الفلسطينيين، والاستفراد بهم بعد أن أصبحوا أقلية، وباتت الحياة شبة معدومة فيها.
أما ابنه محمد ( 22 سنة) فهو أيضا تحمل عبئا ثقيلا بسبب صعوبات الحياة، وقد نظر إلى سائح تحرك على مقربة من المحل، لعله "يلتقطه" لشراء بعض الحاجيات والاكسسوارات، ليحقق دخلا يسهم في إعالة العائلة المكونة من ثمانية أشخاص.
على مقربة من الاثنين وقف أحفاد عبد الرؤوف المحتسب، لقد بدت الطفولة مسلوبة منهم فهم لا يتمتعون بحرية اللعب والركض في الشارع الذي لا يكاد ينقطع من مرور المستوطنين المدججين بالسلاح، أو دورية لقوات الاحتلال.
إن حال هؤلاء المواطنين، وعموم أهالي البلدة القديمة من الخليل، يقول: هل المجتمع الدول سيطبق ما جاء في قرار مجلس الأمن(2334)، ويبدأ بإجراءات عملية للجم الاستيطان، ويحد من سياسيات الاحتلال التوسعية، أم أن القرار سيبقى حبرا على ورق، وتنفذ إسرائيل مخططات استيطانية جديدة، يراد منها تعزيز قبضة الاحتلال في المنطقة المصنفة (H2)؟.