البلدة القديمة في نابلس.. طرز معمارية تحاكي العراقة
بدوية السامري
تشهد أعمدة وحجارة "الجامع الكبير" داخل البلدة القديمة في نابلس على ما مرت به المدينة من عوامل طبيعية، وتدخلات أيدي البشر، وما عاصرته من ويلات، ليكون المبنى الأقدم في المكان.
وكغيره من البنايات داخل البلدة القديمة، ورغم ما تعرض له مبنى الجامع من الهدم والتخريب مرات عدة، لكن أعيد بناء أجزاء منه، وبقيت الأعمدة الدائرية وأخرى على أشكال مربعة تلتقي لتكون مجموعة من الأقواس المتوازية لأكثر من مدخل تزينها نقوش هندسية جميلة، في طراز معماري عريق.
رائحة التاريخ تعبق من خلال المباني التي تشهد الفن المعماري والتراث والحضارات، وتعدد الديانات، فقد قطن داخل أسوار البلدة القديمة في نابلس المسلمون واليهود والمسيحيون، والسامريون، عاشوا فترات طويلة في تآخي، يجتمعون في المناسبات المختلفة، حتى أن بعضهم يتحدث إلى الآن اللهجة النابلسية الأصيلة، رغم خروج أجدادهم منذ سنوات من البلدة القديمة.
وعند الدخول شرق البلدة القديمة في نابلس تطل بوابة الجامع الكبير، المبنى الأقدم الذي بني على أساس بازيلكا رومانية، في القرن الثاني الميلادي، وتحول في القرن الرابع إلى كنيسة بيزنطية، وخلال الفترة الصليبية توسع باتجاه الشرق، إلى أن أصبح مسجدا زمن صلاح الدين الأيوبي حيث تم بناء غرف ومئذنة، بالإضافة إلى المحاريب في واجهة البناء الجنوبية.
وجاء في أحد كتب التاريخ أنه كان يحوي 55 عمودا، لكنه الآن يضم 24 عمودا، نصفها دائري والنصف الآخر مربع، حيث تم نقل أعمدة منها إلى أحد شوارع مدينة نابلس.
وساهمت أوصاف المباني التي كتبها الرحالة، وكذلك الصور والرسومات التي نشرت في الكتب والأبحاث في تكوين صورة حول أصل البناء وتاريخ انشائه.
ويقول مدير جمعية اللجنة الأهلية المهندس نصير عرفات، إن البلدة القديمة في نابلس تضم 3743 وحدة معمارية تاريخية ذات طراز قديم، من جامع، ومصبنة، وسبيل ماء، وبيت، ومقام، 1500 منها استخدمت لأغراض السكن والباقي ديني أو تجاري. و300 مبنى منها مهجور داخل البلدة.
وفيها العديد من الجوامع القديمة كجامع النصر، والحنبلي، والبيك، والخضراء، والمساكين، والتينة، والخضر، والساطون.
ويشير عرفات إلى أنه كان لنابلس 16 بوابة، وشكلت خط الدفاع للبلدة، وتوالت الزلازل على المدينة كل 70-100 عام، وكانت في كل مرة تحصد الأرواح، وتدمر الكثير من البنايات.
وكان قد جاء في كتاب "النجوم الزاهرة" لأبو المحاسن أنه في زلزال القرن الثاني عشر لم يبق قائما الا حارة السامريين داخل البلدة القديمة، ومات خلال هذا الزلزال 30 ألف شخص.
ويقول عرفات إن الطرز المعمارية في البلدة القديمة بنابلس مميزة، وتضم 220 من المباني نقوشا وزخارف من تحوير أوراق الشجر والنباتات، أو زخارف هندسية، وخلت من التماثيل أو أي تجسيد آدمي.
وتعتبر النقوش توثيقا دقيقا للتعميرات التي أجريت على المباني المختلفة، وكذلك اسم الذي قام بها.
وتضم البلدة القديمة في نابلس حاليا 6 حارات رئيسية وهي الياسمينة، والقريون، والغرب، والقيسارية، والحبلة، والعقبة، وتحوي 97 حوشا.
ويقول عرفات إن البلدة القديمة في نابلس تتميز عن غيرها بتصميم البيوت، فهو تصميم اجتماعي عضوي، فلا يمكن وصف أبنيتها على أنها عناصر انشائية منفصلة عن الشؤون الاجتماعية المتمثلة بعلاقة الجيران بعضهم ببعض، ويتوافق التصميم مع طبيعة المكان الجغرافية والمناخية.
وربما العلاقات الوثيقة بين أهالي البلدة القديمة على مدى سنوات كان لها الأثر الكبير في ذلك، حيث تجسد توطيد العلاقات الاجتماعية من خلال البناء العمراني، والبعد البيئي في التصميم المعماري.
ويقول عرفات الذي اتخذ مكتبا له في وسط البلدة القديمة، إن أهم ما يميز البلدة القديمة في نابلس بالذات هو تداخل كتلها المعمارية، وتراكب هياكلها وغرفها فوق الشارع العام وفي قناطر تتباين ارتفاعاتها، والمسافات فيما بينها لتشكل الحارات والأحواش المتجاورة.
فهناك أقواس بين كتل المباني وكأنها تحكي قصة تكافل اجتماعي بين سكانها، وهناك جزء كامل من البيت يرتكز على بيت مجاور، ويتشكل من ذلك قنطرة تحمي الطريق من الشمس ومياه الأمطار. وتتزين أبنية البلدة القديمة بزخارف من نقوش الحجر الجميل تعلو شباكا أو تلتف حوله، أو فتحة صغيرة بين فتحتي شباك مزدوج ذات تشكيل جميل ونقوش مختلفة.
ودعا عرفات كافة الجهات المسؤولة والسكان وكل المواطنين إلى الحفاظ على المنازل القديمة والأماكن الأثرية داخل المدينة، وقال "إنها تعتبر إرثا تاريخيا للمدينة".
وأضاف، إن جهات عدة تساعد في تمويل الترميم، كترميم مجموعة من الأقواس الذي تقوم به مؤسسة التعاون، واعمار بيوت الفقراء للصندوق العربي الكويتي.