ما بين باريس وجباليا !!
موفق مطر
اسرائيل وحماس تريدان مؤتمرا في باريس (عالعتمة)، فكلتاهما لا تريدان لعاصمة النور ان تشهد ولادة ارادة دولية مجتمعة لتحقيق أمل الفلسطينيين بجلاء الاحتلال الاسرائيلي عن اراضيهم المحتلة اثر حرب حزيران من العام 1967، وقيام دولتهم المستقلة ذات السيادة بعاصمتها القدس الشرقية.
تريد تل ابيب لمؤتمر باريس ان يكون مظلما في عيون الفلسطينيين قبل اي عيون في العالم رغم أن اصغر بؤرة استيطانية في الضفة الفلسطينية المحتلة تحوي اعمدة انارة تبقى مضاءة في النهار بعد الليل وتستهلك اكثر مما تستهلكه بلدة بأكملها في قطاع غزة، أما حماس فانها تساعد وتساهم في تجسيد هذه الرغبة بجدارة، والا فماذا يعني تصعيد سلطة الأمر الواقع – سلطة الانقلاب في غزة – في مشكلة الكهرباء ومنعها عن المواطنين، فيما مكاتبها ومؤسساتها وبيوت قادتها ومعظم المسؤولين فيها تنعم بالتيار الكهربائي.
لا تفسير لتصعيد حماس وتهديدات بعض قادتها باعادة مشهد 2007 - أي القمع الدموي- الا حرف انظار المواطنين عن مؤتمر باريس، وتغيير اتجاه تطلعاتهم الوطنية بالحصول على دولة، وتقزيمها الى تطلعات كهربائية بالحصول على تيار بـ 220 فولط، لتشغيل وسائل الاتصال التي تمكنهم من الاحساس بأنهم يعيشون في القرن الواحد والعشرين، او بما يمكنهم على الأقل من متابعة احداث العالم، وتطورات القضية المركزية (قضية فلسطين) التي لن تنجح حماس في احتوائها في زجاج (لمبة) حتى لو كانت من بحجم كبير.
يريد الفلسطينييون من مؤتمر باريس قرارا دوليا واقرارا بوجوب جلاء الاحتلال الاسرائيلي عن اراضيهم، ويريدون انارة دروب البلاد والمنطقة بقناديل السلام التي لا ينضب زيته ابدا، أما اسرائيل – دولة الاحتلال - فتريد اطفاء أنوار صحوة الضمائر التي سادت مجلس الأمن ومن قبلها الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن نفس اسرائيل المتقطع جعلها تستعين بمن لا ينقطع نفسه، ولا يكل ولا يمل من النفخ على لهب الكراهية والعدائية المطلقة للآخر الوطني، حتى بلغت بهؤلاء سرعة الاستجابة ان سيروا انصارهم في الشارع، لتحويل مشكلة الكهرباء وقضيتها الى "كونتاكت" حارق خارق للنسيج الاجتماعي والوطني في غزة، فتتحول انظار الفلسطينيين والعرب والأحرار في العالم لاطفاء حريق حماس المفتعل في غزة لمنع احراق اللاجئين في جباليا – كما هدد بذلك الناطق باسمها - بدل التركيز على اطفاء نار الاحتلال الاستيطاني العنصري الاسرائيلي، الذي اجمع العالم على ضرورة طمر آخر جذوة له في اعماق محيط التاريخ، والبداية من باريس.
ننتظر من مؤتمر باريس انارة الضوء الأحمر أمام مركبة اسرائيل المجنزرة الهائجة المتمردة على القانون الدولي، وفرض ارادة المجتمع الدولي وقانونه وشريعته عليها، واعادة الاستقرار والتوازن والسلام الى شوارع العالم، وننتظر اعلاء اخلاقيات السياسة ومصالحها المحسوبة وفق ارادات الشعوب، والارتقاء بمستوى العلاقات بين الأمم على أسس العدالة والكرامة وحقوق الشعوب بتقرير مصائرها، ووضع الشاهد على آخر قبر للاحتلال على هذه الكرة الأرضية.
وننتظر من جماهير جباليا وغزة ايقاف تغول الانقلابيين، ونظرتهم الفوقية الاستعلائية الاستكبارية، وفتاويهم التكفيرية، وقمع عسكرهم، واشعال الضوء الأحمر أمام عجلة الانقلابيين المنطلقة بأقصى سرعتها لدهس ودعس مولود الأمل الذي رزقت به الحالة الفلسطينية باجتماع اللجنة التحضيرية لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في بيروت، فهؤلاء المتحكمون بمليوني فلسطيني في قطاع غزة، ويخطفون مصائرهم وحقوقهم ليلا ونهارا جهارا، لا يعملون ضد الكل الوطني وحسب، بل يقدمون دعما مباشرا لدعاية اسرائيل حول شرعية القيادة السياسية الفلسطينية، ومشروعية نضالها في المحافل الدولية، رغم اقرار- المسؤولين في حكومة الاحتلال وعلى رأسهم نتنياهو بذكاء وحنكة الرئيس محمود عباس، عندما وضعهم في مأزق المواجهة الشاملة مع العالم وقوانينه واعرافه ومواثيقه، هؤلاء الذين تقطر العدائية للآخر في الوطن من كعوبهم، يسيئون للرئيس ابو مازن في تعبير لا يمكن اعتباره الا انحطاطا أخلاقيا.