الشاهد والشهيد
عنان شحادة
قصي عمور شاب من بلدة تقوع لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، أطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي النار عليه أمس، وهو يحمل حجرا ويلقي آخر صوب جيبات إسرائيلية مصفحة ضد الرصاص تستفز بلده، فاستشهد ونكل به الجنود وجروا جثمانه الغض فوق الحجارة ولمسافة بضعة مترات إلى آلياتهم، ولولا شاهد العيان "الكاميرا" لما لامس حدث استشهاده قلوب الآلاف.
كاميرا الصحفي في وكالة الاناضول التركية هشام ابو شقرة، كانت شاهدا حيا على ذلك، فقد وثقت كل تفاصيل الجريمة التي ارتكبها جنود الاحتلال بحق الشاب قصي، وقفته... حجره.. جلوسه... وقوعه مصابا تحت شجرة زيتون... انقضاض الجنود عليه... ركله بالبساطير... جره... ومنع كل محاولات اصدقائه والنسوة لإنقاذه.
المصور ابو شقرة قال في حديث خاص لـ"وفا": كانت الساعة تشير إلى 3:55 مساء عندما خرجت اربع رصاصات من بندقيه الجنود واستقرت في صدر الفتى، حيث كان بين اشجار الزيتون، وبصورة مفاجئة اطلقوا رصاصات الغدر فسقط على الارض دون ان يحرك ساكنا.
وتابع، "ترك المشهد في نفسي اثرا بالغا، وفكرت بأن اذهب إلى الشاب لأساعده، لكن كثافة تواجد الجنود في المنطقة وهرولتهم بسرعة نحو الشهيد جعلتني افكر جليا بألا اكون اقل شأنا من صاحب الدماء التي نزفت وروت تراب فلسطين، فتحديت كل اجراءات الجنود ووجهت الكاميرا التي اعتبرها سلاحي الاول في فضح كل الممارسات والعنجهية الاحتلالية".
واضاف ابو شقرة، "الفيديو اظهر الجريمة بكل تفاصيلها، لكن ما يمكن اضافته هو عندما تم جره ليتكرر المشهد بعد 16 عاما على جريمة شاكر حسونة، وتركه لأكثر من 15 دقيقة ملقى على الارض ينزف، قبل ان يتم جره ووضعه داخل الجيب العسكري بطريقة لا تحترم الانسان، مع احتجاز طاقم الاسعاف التابع للهلال الاحمر على احد مداخل البلدة ومنعه من الوصول، واليوم تكرر ذلك المشهد، مع توثيق تهديد جنود الاحتلال الشباب والنسوة بعدم الاقتراب من الشهيد لإنقاذه".
تنهد وقال، "كان الموقف مؤلما جدا، كنت عاجزا عن مساعدته، لكنني وجدت نفسي امام واجب وطني وهو توثيق الجريمة حتى تكون شاهدا على جرائم المحتل، وبحمد الله ومن خلال انتشارها على التواصل الاجتماعي وعبر وكالات الأنباء، وصلت إلى العالم وفضحت المحتل".
من جانبه، وصف نقيب الصحفيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر لـ"وفا"، أن ما قامت به اسرائيل "جريمة تندى لها الانسانية وتدل على وحشيته وعدم انسانيته".
وتابع، "مرة اخرى يؤكد الصحفي الفلسطيني على دوره المؤثر في نضالنا وكفاحنا ضد المحتل، وهو توثيق الجرائم ونشرها للعالم، وما قام به المصور ابو شقرة كان لواحدة من ابشع الجرائم بقتل الفتى أبو شقرة وسحب جثمانه".
واشاد بالدور البطولي للمصور الذي خاطر بنفسه من اجل التقاط الصور في وقت كان الجنود يتعاملون بوحشية مع كل من كان يتواجد في المكان، مشيرا الى ان المصورين والصحافيين يوثقون الجرائم وينشرونها للعالم، "وهو ما ساهم في تغيير الرأي العالمي من رواية المحتل المضللة، الى رواية الحق والحقيقة بعيدا عن التزوير الذي عاشه العالم قبل ان يأخذ الصحفي الفلسطيني دوره في فضح الممارسات الوحشية.
واشار ابو بكر إلى أن دور الصحفي الفلسطيني وسياسة التوثيق ساهما في العام 2016 من اعتراف 12 برلمانا اوروبيا بدولة فلسطين، "وهذا جاء من خلال الضغط الشعبي والجماهيري بفعل رواية الحق والحقيقة".
وقال إن النقابة أعدت تقريرا ستصدره قريبا، يوضح انه وقع 588 انتهاكا إسرائيليا بحق الصحفيين الفلسطينيين خلال العام الماضي، "وهذا دلالة واضحة على أن إسرائيل تنهج سياسة تكميم الأفواه وعدم نقل الحقيقة بالاعتداء عليهم".