مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

33 عاما على غياب بسيسو "عريس اللوز والليمون"

يامن نوباني

 بتاريخ 23 كانون الثاني 1984 في ضباب مدينة لندن، وحيدا في غرفته الفندقية، رحل معين بسيسو، الشاعر والكاتب الفلسطيني الواضح. "عريس اللوز والليمون" كما وصفه صديقه الشاعر الراحل سميح القاسم.

ثلاثة وثلاثون عاما مرت دون أن يصدر عن بسيسو عمل أدبي كبير، أو عمل سينمائي أو حتى وثائقي فلسطيني أو عربي (انتج عنه فيلم باللغة الروسية". وهو الذي قدم للأدب والفكر العربي والقضية الفلسطينية 15 عملا شعريا، و13 عملا نثريا، و9 أعمال مسرحية، وعملين دراميين تلفزيونيين من شعره.

اضافة لمشاركاته في الصحافة العربية، في جرائد ومجلات فلسطينية ولبنانية وسورية وليبية. ترجم أدبه إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية، ولغات الجمهوريات السوفياتية؛ أذربيجان، أوزبكية، والإيطالية والإسبانية واليابانية والفيتنامية والفارسية.

بلغ عمر بسيسو الأدبي أربعين عملا، بدءا من ديوان "المعركة" الذي صدر في القاهرة عام 1952، انتهاءً بـ"الاتحاد السوفيتي لي"، و"88 يوماً خلف متاريس بيروت"، وقصيدته الأخيرة "سفر" في 1983. حصل على جائزة اللوتس العالمية، وكان نائب رئيس تحرير مجلة "اللوتس" التي يصدرها اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا. كما حصل على أعلى وسام فلسطيني (درع الثورة).

يبلغ معين بسيسو هذا العام (91 عامًا)، موزعة بين حياته وانتهائها، التي بدأت عام 1926، وتوقفت عند العام 1984، ونتاجه الأدبي الذي بدأ عام 1952، ولا زمان أو مكان أو مصير يحدد متى لا يُقرأ الشاعر والكاتب المسرحي والروائي معين بسيسو.

هو الذي عاصر الأزمنة الكبيرة، فكان قلمه شرسًا. فعايش النكبة، والنكسة، ومعركة بيروت 1982، والشيوعية، والحروب العربية – الاسرائيلية. عاش حياة المنافي والمعتقلات والحصار، وكان دائما ينجو. فوصفه صديقه الشاعر الراحل سميح القاسم  بـ"المتماوت".

أعتقل في مصر لمدة ست سنوات، في الفترة ما بين 1955-1963، بعد رفضه لمشروع توطين الفلسطينيين في سيناء، ودفن في القاهرة بعد رفض الاحتلال وصول جثمانه إلى فلسطين، مثل الكثيرين من الأدباء والشعراء. وفي تلك المرحلة كتب بسيسو دفاتر فلسطينية بعد إلحاح من رفاقه الشيوعين. هو الذي علمته الزنزانة السفر لمسافات بعيدة، والكتابة لمسافات بعيدة، كان يتنقل في عواصم العالم، ومعه الوطن، كومة أوراق في حقيبة جلدية، تقاتل في كل العالم وبكل اللغات، الظلم والقهر.

من أشعاره:

فالصمـــــــتُ مــــــوتْ

فأنتَ إنْ نطقتَ مُتْ

وأنت إن صَمَتَّ مُتْ

قُلْهــــــا .... ومُــتْ

رثاه شفيق الحوت في مقال نشرته مجلة الحوادث البيروتية عام 1956،  وفي نفس الوقت كان عبد الكريم الكرمي –ابو سلمى- يرثيه عبر اذاعة دمشق. لكنه لم يمت.

في 26 آب 2014، قصفت طائرات الاحتلال الاسرائيلي مدرسة معين بسيسو في حي الدرج، أسفر القصف عن إصابة المدرسة بأضرار جسيمة، لكن معين لم يمت، مرة أخرى يراوغ القذائف وينجو. وهذا يعيدنا إلى قول درويش في موت بسيسو: كان معين يطرد فكرة الموت كما يطرد ذبابة، وكان يمازحنا ويهددنا جميعا بالرثاء، كان يكره الرثاء ويمقت المشهد الفلسطيني اليومي في طابور الموت. حين كان يتجول بين قذائف بيروت، كان يدرك أنه لن يموت، لأنه لا يريد أن يموت، لأنه يكتب ويمتلئ حياة.

مثل بسيسو الزاوية الحادة في الأدب الفلسطيني، لم يُوال إلا احساسه تجاه الوطن الجريح، وعبرت قصائده وكتاباته عن وطنية صادقة، نابعة ومدفوعة بحماسة القول والمعنى، كتاباته وأشعاره ومسرحياته المنقولة والمرددة بين لوحات الرسامين والمناسبات الثقافية والوطنية، والأبحاث والدراسات النقدية، وكانت قصائده تطوى في جيوب أطفال المدرسة لتفتح في الفقرات المدرسية الصباحية، كما كانت كلماته نشيد الأسرى في السجون وبخاصة: أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح وانظر إلى شفتي أطبقتا على هوج الرياح، أنا لم أمت! أنا لم أزل أدعوك من خلف الجراح، واقرع طبولك يستجب لك كل شعبك للقتال، يا أيها الموتى أفيقوا: إن عهد الموت زال، يا أيها الموتى أفيقوا: إن عهد الموت زال، ولتحملوا البركان تقذفه لنا حمر الجبال، هذا هو اليوم الذي قد حددته لنا الحياة، هذا هو اليوم الذي قد حددته لنا الحياة، للثورة الكبرى على الغيلان أعداء الحياة، فإذا سقطنا يا رفيقي في جحيم المعركة، فإذا سقطنا يا رفيقي في جحيم المعركة، فانظر تجد علما يرفرف فوق نار المعركة، ما زال يحمله رفاقك يا رفيق المعركة، ما زال يحمله رفاقك يا رفيق المعركة.

عائلة بسيسو: سنقيم متحفا لمقتنيات معين وبوشناق سيغني أشعاره

وقالت عائلة بسيسو خلال اتصال هاتفي مع "وفا": أنها تخطط لعمل متحف يجمع إرث معين الذي جمعه خلال مشوار حياته الأدبي والنضالي. لكنها إلى الآن لا تعرف أين سيكون المتحف، كما أضافت العائلة أن الفنان التونسي لطفي بوشناق اختار أشعارا لمعين بسيسو وسيغنيها قريبا.

ووجهت العائلة شكرها للرئيس محمود عباس على دعمه الذي قدمه في إعادة الاعتبار لأعمال معين بسيسو، وقالت أرملة بسيسو، صهباء البربري: سلمني أبو مازن الوسام الذهبي المميز للشعر الفلسطيني في العام 2014.

وأضافت البربري: شعر معين شعر أممي، ويشبه فلسطين، ضد الاستعمار والامبريالية والاحتلال، ومع المقاومة. وكانت غزة هي المدينة المفضلة على قلب بسيسو، ومن أجمل ما كتبه لها: ألف شتاء قد مر وما زال مصلوبك يا وطني يحلم لو تلمس قدماه، الأرض النائية كنجم لو يمشي، لو يسمع وقع خطاه.

وعن آخر أيام وأحلام معين، قالت البربري: كان يحلم بالرجوع وتطأ قدماه الأرض. وكان وعد محمود درويش بأن يأتي به لغزة ويمشيان على الشاطئ ويطعمه القدرة والتي تصنع في فخارة مع  سمك بحر غزة، منوهة الى انه ألقى قصيدة سفر في حفل خريجين الجامعة الامريكية في لندن وكان معه سميح القاسم ومحمود درويش وذكر فيها الموت كثيرا وكأنه يودعنا.

وقال نجل الراحل، توفيق بسيسو: جمعنا من تونس وسوريا ومصر ولبنان ونحتفظ بها في غزة .. كل مقتنيات معين بسيسو، مكتبه، ملابسه، أقلامه، هداياه، جوائزه التقديرية، مخطوطاته المكتوبة بخط اليد، وسنعمل على إقامة متحف الشاعر، وسننشر كتابين عبارة عن مجموعة مقالات نشره معين في جريدة الثورة السورية وفي فلسطين الثورة، وسيكون الكتابين تحت عنوان: من شوارع العالم ونحن من عالم واحد.

وبين توفيق أنه ألتقى مع والدته بالفنان التونسي لطفي بشناق وعد في نهاية العام 2016 في تونس، ووعدهم بغناء كلمات معين، وأنه اختار قصيدة وسيختار قصائد اخرى ليغنيها في ألبوم من أشعار معين.

وأضاف: وضعت كل ما كتب بخط معين في الأعمال الكاملة التي صدرت عن دار الفارابي، في كانون الاول 2015 في معرض بيروت الدولي للكتاب بحضور سفير فلسطين في لبنان اشرف دبور، وجرى اعادة طباعة 13 عملا أدبيا في 5 مجلدات من أعمال معين، ما بين الشعر والنثر والمسرح، منوها إلى أن العائلة تجمع كل ما كتب عن معين منذ العام 1984 وحتى العام 2017 وستعمل على نشرها في كتاب.

وأشار إلى أنه في أعوام  (1968-1969) على مسرح توفيق الحكيم نور الشريف حمدي غيث سميحة ايوب ومحسنة توفيق وعبد الله غيث ومحمد وفيق، كما كانت أشعاره حاضرة في المنهاج التونسي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وأختي مليكة درستها في مرحلة الاعدادية في مدارس تونس. مشيرا إلى أن كتابا جديدا سيطلق في الجزائر، عن الأعمال المسرحية التي كتبها معين.

وذكرت تقارير صحفية ودراسات أنه وبمبادرة من حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) تشكلت جمعية المسرح الفلسطيني سنة 1966 في دمشق التي قدمت العديد من الأعمال في عدة عواصم عربية.

وحملت الجمعية فيما بعد اسم فرقة "فتح المسرحية" والتي قدمت  مسرحية "العصافير تبنى أعشاشها بين الأصابع" تحت عنوان "الكرسي" من تأليف الشاعر الفلسطيني معين بسيسو ومن إخراج خليل طافش. وقد حققت هذه المسرحية شهرة كبيرة وصدى واسعًا ليس في الوطن العربي فحسب بل في كثير من البلاد الأوروبية أيضا عندما مثلت فلسطين في مهرجان المسرح العربي في الرباط سنة 1974. وقد صفت صحيفة "لوموند" الفرنسية في عددها الصادر في 21/2/1974 هذه المسرحية بأنها: "أهم المسرحيات التي عالجت قضية فلسطين."

ومن الشعر الذي كتبه معين وصار أغنية: على جناح كل غيمة مسافرة، على جبين كل شاعر وشاعرة

كتبت يا مدينتي، يا قدس يا حبيبتي، زرعت ألف وردة لفجرنا القريب، أضأت ألف شمعة لاسمك الحبيب، ألف آه آه أين أنتِ من عيوني، والشمعدان ذاب كله يا حبيبتي، كتبت يا مدينتي، يا قدس يا حبيبتي، خاتمك يا قدس لا زال في يدي، خيطا من الشعاع أو إشارة الغدِ، يا قدسنا وعرسنا قريب، وفي غدٍ ستفتح الدروب، إليك يا مدينتي، يا قدس يا حبيبتي.

وغناها الفنان الغزي جمال النجار في بدايات الانتفاضة الثانية "انتفاضة الأقصى".

بسيسو في الكتابات النقدية

وقال أستاذ اللغة العربية في جامعة القدس المفتوحة، نادي ساري الديك: نشرت كتابا بعنوان "ما قالته غزة للبحر-  دراسة في تجربة معين بسيسو الشعرية"، الفصل الاول تحدث عن الموضوعات الشعرية، المبحث الاول النقد والاغتراب ، الثاني البعد القومي ، الثالث الرفض والتمرد والثورة، وتحدث الفصل الثاني الظواهر الفنية، المبحث الاول الصورة الشعرية، الثاني القوى الشعرية، الثالث الرمز الشعري، الرابع الموسيقى .الفصل الثالث مساحة الشعري تضمن مجموعة من المداخل، اولا: مدخل عام عن المسرح العربي وكيف تكون، ثانيا: مسرحية مأساة جيفارا، ثالثا: ثورة الزنج ، رابعا: مسرحية شمشون ودليلة، خامسا: المسرح السياسي.

وحول تغييب معين قال الديك: جل الدارسين الفلسطينيين والعرب اهتموا بدراسة شعراء العرب الفلسطينيين وهم محمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان، واهتموا بثلاثة روائيين ايميل حبيبي، غسان كنفاني، جبرا ابراهيم جبرا. وما تبقى من الشعراء والقصاصين والروائيين لم يأخذوا نصيبهم من الدراسات النقدية علما ان النقد في فلسطين اعرج وأعوج  ومهمش، النقد هو اضاءة واثراء للنص بعد موت النص.

وأضاف: معين من الجيل الثاني من الشعراء الفلسطينيين المعاصرين بعد مطلق عبد الخالق والكرمي، ومرتبط بالجيل الاول. معين ومن جايله من الشعراء هم ابناء الجيل الثاني من الشعراء العرب الفلسطينيين. ميزة معين في ادبه واخلاصه لفكرته حيث كان يؤمن بالثورة ومات ثائرا وكان لا يهادن، أدبه أقرب للشعبي منه إلى الأدب المعمق الذي يحتاج إلى عمق فكري، فلو نظرنا الى نصه لوجدناه ادبا خشنا في بعض الحالات .. كصخرة تحمل نتوءات،  الى جانب ذلك فيه أدب الرقة، هذه الكلمات الجميلة الطافحة بالرومنسية، لكن الكلمات الهجومية والقوة في المفردات هو الذي يميز أدب وشعر معين.

وحول القصيدة الأخيرة لمعين "سفر سفر" قال الديك: سفر سفر هي ملائمة لمديح الظل العالي، انت لا تستطيع ان تستقرأ قصيدة سفر سفر لمعين الا اذا استيقنت هذه العلاقة ما بين فكرة محمود درويش في مديح الظل العالي والتي هي مجموعة من المشاهد الشعرية وليست جسدا شعريا متكاملا.. الوحدة العضوية في قصيدة مديح الظل العالي مهشمة، هي مجموعة من المشاهد الشعرية مقسمة على اربعة اقسام اربعة قصائد في قصيدة واحدة.. ولو قرأنا سفر سفر نجد ان هذه الروح الثائرة الخشنة في مفرداتها قد ذبلت الى حد ما لان معطيات الحياة كلها اصبحوا في عداد الركود، والادب هو حياة، ولا يكون ادبا الا خلق الحدث وليس فقط التفاعل مع الحدث.. فالمشهد لا ينطبق على معين فقط.. كل الادب الفلسطيني بعد عام 1982 مر بروح من التجريح واللائمة، كما الادب بعد عام 1967 كان فيه نوع من التجريح واللائمة ، فعندما يشتد ساعد الثورة يشتد القيمة المعنوية للفكرة في صياغة الادب، فهو يصنعها ويتفاعل معها ويدافع عنها، الان انتهت هذه الأمور. فلم نعد نقرأ أدبا زخما كما كان في الستينات والسبعينات والثمانينات.

وختم الديك: في الستينيات والسبعينيات في بغداد والقاهرة جسدت على خشبات المسرح العربي، المسرحيات التي كتبها معين بسيسو، ولاقت رواجا باهرا، اما الان فقد انتهى المسرح والمشهد الادبي بكل مقوماته مغيب.

بسيسو وبيروت

عندما تعرضت الثورة إلى هجمة 1982، وحاول خلالها الجيش الاسرائيلي بزعامة وزير دفاعه آنذاك أرئيل شارون، القضاء على المقاومة الفلسطينية في لبنان وبخاصة منظمة التحرير الفلسطينية، كان معين يشارك في مؤتمر طشقند، فتركه فوراً وعاد إلى بيروت مخترقاً الحصار، ليشارك في تأسيس صحيفة (المعركة) التي كانت تصدر يوميا طيلة أيام حصار بيروت الذي استمر 88 يوما.

وكتب بسيسو خلال الحصار (88 يوما خلف متاريس بيروت)، وتحدث فيها عن مشاهداته لأيام الحصار، والمقاومة الباسلة، والوضع العربي والاقليمي والدولي، الذي وقف بمعظمه في خانة المتفرج، وحالة الصمت التي سادت أوساط المثقفين، وجاء فيها: رسالة مفتوحة إلى قلعة الشقيف، من معين بسيسو إلى ياسر عرفات، أولئك الذين يغسلون ملاعق وسكاكين العدو، مرمى الحذاء، هذا هو رأسنا وهذه هي الشوكة والسكين.

من الكتاب: "لن تدخلوا بيروت / ستموتون تحت شبابيك المدينة التي لا تموت

ستسقطون تحت سقوفها.. متاريسها / لن تدخلوا بيروت

كل كيس رمل، كل صخرة / كل موجة في بحرها / تابوت"

لبيروت مساحة خاصة في روح بسيسو، ومسافة حب ومقاومة، وبحسب محمود درويش لم يكن هناك من يقدر على إقناع معين بأن الإسرائيليين قد يدخلوا بيروت. "كان يفقد صوابه، لا لسبب إلا لأنه خلق واقعا حين قال لهم :لن تدخلوا بيروت”.. لقد تحول القرار الشعري من استنفار لروح المقاومة إلى قوة مادية لا يمكن اختراقها، وهكذا كان معين يكذب الواقع لتبقى القصيدة على صواب"

مضيفًا: "حين يتجول بين قذائف بيروت كان يدرك أنه لن يموت، لأنه لا يريد أن يموت، إنه شاعر ملئ بالمظاهرة والشوارع، مزدحم بهتاف متدفق، فكيف تلجم شاعرا يؤمن حتى التدين بأن القصيدة قوة حركة، قوة حزب، قوة قادرة على التغيير الفوري؟

وفي بيروت وزخم حصارها، كتب بسيسو مع صديق دربه درويش، قصيدتهم الشهيرة: رسالة إلى جندي اسرائيلي. واصدر مع زملاءه محمود درويش والشهيد علي فودة (استشهد أثناء قيامه بتوزيعها على المقاتلين في مواقعهم) ورسمي أبو علي، وتحولت فلسطين الثورة إلى جريدة يومية تحت اسم "صدى المعركة".

سميح القاسم في صاحبه

يصف سميح القاسم معين بسيسو في التقديم الذي كتبه في عام 2014 للأعمال الكاملة لمعين التي صدرت لاحقا عن دار الفارابي في بيروت بمارد من السنابل، مارد من الثورة والشعر، وأنه استمد كبره وكبرياءه من منجمين عميقين وثريين: منجم الالتزام الثوري ومنجم الابداع الشعري.

يصرخ سميح القاسم بمعين بسيسو، راثيا وراجيا: متماوتٌ! قلها وفاجئنا, بأغنيةٍ جديدة.

لم يبق وقتٌ عندنا للموت إن ننقُص يزد أعداؤنا فانهض

يا صاحِبي! في النعشِ مُتسعٌ لأغنيتين, واحدةٌ تقولُ: أنا الكَفَنُ, وتقولُ واحِده: تَعبتُ من الرحيلِ إلى الرحيلْ وتعبتُ من وطنٍ يَموتُ بلا وطنْ ! يا صاحبي حياً وميتاً, أيها النهمُ البَخيل, في النعشِ متسعٌ لصعلوكين, كيفَ مضيتَ وحدكَ, دونَ صاحبكَ القتيل؟! زيتونةُ الطوفان في قلبي, تعاتبُ فيكَ بركانَ النخيلْ ماذا عليكَ لو انتظرت دقيقتين ! وسكرتين, وليلةً مستهتره ؟! ماذا عليكَ لو انتظرتَ .. قصيدتين وَ وردتينِ ومجزره .. ما كانَ عدلاً منكَ أن تمضي, ونحنُ مقيدون إلى حديدِ مُجَنْزِرَهْ وَ كلابُ بن نونَ الجديد, تلوكُ في أمنٍ عظام المقبرهْ. وتريدُ قبراً مثل من ماتوا ؟! وهل عشنا كمنْ عاشوا ؟! وهل متنا كمن ماتوا؟! تواضع!

لا قبرَ لك في موطنٍ صليتَ ألا يجهلك، حاولتُ أن آتيكَ  يومَ فقأت قلبكَ بالسريرِ في الفندق النائي الأخير حاولتُ أن آتى لأحضنَ رأسَ المقطوعَ بالحسراتِ في منفى الضمير حاولتُ أن آتيَ كم حاولت لكنى فقير وتذاكرُ الشعراءِ غاليةً وأرضُ الموتِ عاليةً على العمرِ القصير حاولتُ أن آتيكَ معتذرا لموتكَ عن حياتي.

وأنتج عن بسيسو "بعنوان "ما قالته غزة للبحر-  دراسة في تجربة معين بسيسو الشعرية" لمؤلفه نداي ساري الديك، وصدر عن وزارة الثقافة الفلسطينية عام 1998،  وصدر عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين في عام 1988 "لم تسقط من يده الجمرة - دراسات وقصائد في الذكرى الرابعة لرحيل معين بسيسو" لمؤلفه عبد اللطيف البرغوثي. كما صدر عن مؤسسة الأسوار في عكا سنة 1985 لمجموعة مؤلفين: " معين بسيسو - شاعر فلسطين خالد في ذاكرة الوطن"، وصدر عن الأكاديمية الجزائرية حنان بومالي: "جدل السياسي والجمالي في مسرح معين بسيسو العشري".

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024