فسيفساء من العدم
حمزة الحطاب
على طاولة صغيرة لا تتجاوز مساحتها متراً واحداً، وبمعدات بسيطة وقطع من بلاط السراميك، ثمة إبداع، قطع فنية صغيرة من الفسيفساء لا يتجاوز حجمها عقدة الإصبع، والتي تزين جرار الفخار والمزهريات، وتشكيل لوحات وجداريات كتب في منتصفها بذات القطع كلمات من القرآن الكريم.
هذا هو عالم الحاج محمود رشاد الجعبري، بدأه قبل 10 سنوات بعد تقاعده من إدارة مدرسة السيراميك في الخليل، ومضى في تزيين جدران منزله الداخلية والخارجية بقطع الفسيفساء، التي يصنعها يدويا من بقايا بلاط السراميك.
استقى الجعبري الفكرة من إيطاليا، حيث تواجد هناك ذات مرة ضمن بعثة تدريبية في أحد المتاحف، فشاهد لوحة آخاذة من بقايا أدوات مطبخ مثبتة على جسر كروي.
إنتاج جدارية من فسيفساء السيراميك بمساحة متر مربع تحتاج أشهراً، نتيجة لدقة العمل ومراحله المتنوعة، والتي تبدأ بتحضير قطع البلاط وتنعيمها حتى تصبح في مستوى واحد، ليتم بعد ذلك تقسيمها حسب الحاجة، قبل أن تخضع من جديد للحف حتى تصبح متناسقة، ثم يتم رصها على الجدارية أو جرار الفخار.
يقول الجعبري، "قبل الانطلاق بأي عمل، أستغرق فترة أسبوعين في التفكير بالشكل النهائي للوحة، وأثناء العمل أدخل تعديلات تخدم الهدف. عملي أشبه بعامل بناء يبني قصراً ويأخذ بتشكيله شيئا فشيئا، فعملي آني وليس تقليداً، والأفكار تأتي متلاحقة بعد بدء العمل. أعتقد أن أحداً لم يسبقني إلى هذا المجال، إذ أن الفسيفساء القديمة كانت تصنع من الحجر الملون وعملها جميل، وأنا أتحدى أيا كان أن ينتج ما أنتج، العمل يحتاج لوقت وجهد كبيرين، ولا توجد عائدات مالية لارتفاع تكاليف الإنتاج".
ويعزو محمد الجعبري توجهه إلى عالم الفسيفساء لحبه للخزف والسيراميك، والاتقان هو ما جلب الاستحسان لأعماله الفنية، فكان الاهتمام والإعجاب والتشجيع مكافأة الأهل والأصدقاء.
أعمال الجعبري الفنية التي هي بالأساس “مخلفات” لمصانع البلاط؛ لم تقف عند جدران بيته، فسبق له المشاركة في معارض خارج فلسطين عامي 2010 و2011 استضافتها عُمان، كما شارك في مهرجان بالشارقة، فضلا عن مساهاماته في معارض محلية.
كما أنه كان ركناً في وصول الخليل إلى سجلات المدن الحرفية على مستوى العالم، فاللجنة الدولية التي قدمت إلى المدينة زارت منزل محمد الجعبري، واطلعت على أعماله وأبدت انبهارها بقطعه الفنية التي تجمع بين الإبداع والأصالة.
يأمل الجعبري في أن تلعب الجهات الحكومية ذات الاختصاص دوراً في دعم مشروعه، حتى يبقى متوارثا، من خلال دعم مشاركته وعرض إنتاجاته في معارض محلية ودولية أكثر.
ha