الوزير
رامي سمارة وإيهاب الريماوي- ينظر إلى السقف، يتمتم بأشياء لا نفهمها سوى "أف"، يهز رأسه ممتعضا، ثم يعود لينفذ ما طلبنا منه.
نحن -الإعلاميين- "نكديون"، كثيرا ما نطلب إعادة مشاهد نقوم بتصويرها للحصول على تسلسل زمني ومكاني ترتاح له عين المشاهد حتى لو لم يرتح لها بطل المادة التي نعمل على إنتاجها.
سامي دار يوسف هبط الدرج نحو المنجرة مرتين بناء على طلبنا، دخل إلى مبنى جمعية النهضة النسائية ثلاث مرات أيضا لأننا طلبنا منه ذلك، وكثيرة هي الأشياء التي عاد وقام بها لحاجات التصوير، رغم اقتناعه بأنه أداها في المرة الأولى بالشكل الصحيح.
هو يصنف نفسه على أنه مساعد نجار، عمله يقتصر على حف قطع خشبية ومن ثم طلائها، وتراجع قوة بصره دفعت القائمين على الجمعية لمنعه من استخدام أداوت حادة أو آلات قطع.
منذ 33 عاما حين كان في الحادية عشرة انتسب للجمعية، بدأ منها كما يقول "من الصفر"، واليوم كما يعتقد يمكنه القيام بأشياء كثيرة بخلاف مهنته التي يتقاضى منها أجرا يجعله سعيدا في حياته.
جمعية النهضة النسائية التي تأسست عام 1925، أنشئت لتقديم الخدمات للسيدات والأطفال في مدينة رام الله، قبل أن توسع نطاق خدماتها لتشمل رعاية ذوي الإعاقة، السمعية والبصرية والعقلية.
تنتج الجمعية من أحد أبرز أقسامها ألعابا للأطفال في مرحلة الحضانة والروضة، وتقوم بإعادة تأهيل نزلائها ليكونوا جزءا من عملية الإنتاج كموظفين بأجور.
تلك الألعاب جمعت مؤخرا طاقما من إدارة الجمعية بوزير التربية والتعليم العالي صبري صيدم في مكتب الأخير، سامي كان الوحيد من النزلاء الذي اصطحبته الإدارة للقاء الوزير، لقبه صيدم بالمعلم وأجلسه على مقعده، وسامي يتذكر أن الوزير قال له: "أنت الوزير".
صبري صيدم كتب على صفحته في موقع "فيس بوك": "على مقعد الوزير لهذا الأسبوع ... المعلم سامي دار يوسف الذي دأب على صناعة الألعاب التعليمية للأطفال في جمعية النهضة ليكون ويبقى نموذجا للعطاء متحديا متلازمة داون وداعما لغيره من أصحاب الإعاقة.... كل الاحترام".
الاحترام والتقدير الذي لاقاه سامي دار يوسف في حضرة الوزير؛ يأمل أن يجده ذوو الإعاقة من قبل ذويهم على الأقل، يغضب عند سؤاله عن نظرة المجتمع للمعاقين، لأنه يتصور أن عائلاتهم تقوم بإهمالهم حد رميهم في الشارع باستخدامهم وسيلة لطلب العون.
"لماذا لا يقومون بإرسال أبنائهم إلى جمعيات ترعاهم وتهتم بشأنهم، كجميعة النهضة" يتساءل سامي مستنكرا استنكاره لمن يقومون بتكبيل أقدام وأيادي أبنائهم المعاقين.
عائلته أحسنت معاملته وأولته الاهتمام اللازم، واليوم هو ممتن لذلك، فلا شيء يساوي أن يتكل الإنسان على نفسه وألا يكون محل شفقة وإحسان.
سامي الذي يبلغ 44 عاما، يتمنى أن يجد شريكة تقاسمه الحياة، ويود أن يصطحبها إلى النشاطات التي يشارك بها عقب انتهاء عمله في الجمعية، إذ يتردد بشكل شبه يومي على دير اللاتين في رام الله ليؤدي طقوسه الدينية، ويلتقي مع أصدقائه ليقوموا بفعاليات مشتركة.