الحفر على الخشب.. حرفة لإحياء التراث في سلفيت
عُلا موقدي
مع بداية العام الحالي، شكّلت محافظة سلفيت مجلسا يضم عدد من الوزارات والمؤسسات الأهلية والمحلية ذات العلاقة، بهدف الحفاظ على المناطق الأثرية في المحافظة وتعزيز ثقافة المواطن بأهمية هذه المناطق، وتشجيع السياحة وحماية التراث الفلسطيني من النهب والسرقة، وتشجيع الاستثمار المحلي في هذا المجال.
مدير دائرة التنمية المستدامة في محافظة سلفيت عمر السلخي، يقول إن تشكيل هذا المجلس احتياج حقيقي للمحافظة، لأن هناك محاولات ممنهجة من قبل المستوطنين لتدمير الموروث الثقافي ومحاولات لابتلاع المواقع التاريخية، ونظرا لأهمية هذا القطاع اقتصادياً أيضاً، باشرت المحافظة بعملية توثيق كافة المواقع الاثرية وإجراء الدراسات اللازمة لتطويرها وحمايتها، وتشجيع الحرف اليدوية التراثيه كالحفر على الخشب والتطريز وتنفيذ برامج تدريبية من قبل دائرة النوع الاجتماعي، لإحياء هذه المهن المرتبطة بالتراث الفلسطيني والتي يمكن أن تشكل مشاريع صغيرة تحسن من دخل الأسرة.
محمد عبد الفتاح الأشقر، وعبد الحكيم سنونو، الوحيدان بمحافظة سلفيت اللذان جسّدا في حرفتهما التراث الفلسطيني، واعتمدا على وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لمنتجاتهما، والتي تتراوح أسعارها ما بين 10 شواقل الى 600 شيقل، حيث تلقى قبولا وترحيبا واسعا.
في الوقت الذي تسيطر التكنولوجيا والماكينات الحديثة على العالم بأسره، يستخدم كل من الأشقر وسنونو في حرفتهما، مواد بدائية بسيطة، يصنعاها بنفسيهما، وينتجان منها تحفا فنية كالملاعق الخشبية والمزهريات والمهابيج ودِلال القهوة، والأواني الخشبية والسكريات والكاسات وأواني المكسرات، إضافة إلى التحف والمزهريات وزخرفة الآيات القرآنية.
مدير مكتب وزارة الزراعة في سلفيت إبراهيم الحمد، يرى أن مهنة الحفر على خشب الزيتون وصناعة التحف المميزة التي ينتجها سنونو والأشقر، تشكّل نقلة نوعية في المحافظة، كونها تستخدم مواد خام متوفرة بكثرة في محافظة الزيتون، وبالتالي هذه المهنة تعني الاستخدام الأفضل لمخلفات قص الأشجار وتقليم الزيتون، كما أنها تحمل معاني الهوية الفلسطينية، وتساعد في حماية التراث، متمنيا أن تكون مهنة يتعلمها الشبان ويتم توسيع مجال عملها وتسويقها.
يقول الاشقر لـ"وفا": في بداية عملي صنعت المخرطة التي تعمل على تشكيل الخشب يدوياً، استخدمت أدوات يدوية بسيطة، حيث استفدت من مولد الغسالة القديمة، وعملت على إعادة تدويره بحيث يخدم حاجتي. ويشير إلى أنه لا يدخل أي تعديلات لونية على الخشب على الإطلاق، وإنما يقوم بطلاء القطع بملمع مائي للمحافظة على الخشب من التسوس.
ويضيف: استطعت أن أجسد فانوس الإضاءة القديم تماما لأنني تربيت وأنأ اقرأ على نوره، وذلك قبل وصول الكهرباء للبلدة. شكله مطبوع في مخيلتي، فقمت بصناعة كل قطعة فيه من الأخشاب بدقة، وذلك لتعليم الأجيال القادمة على تراثنا وذكرياتنا، وقريباً سأسعى الى تجسيد كل ما هو قديم.
الحفر على الخشب يعتبر من الفنون التشكيلية الجميلة، يتمّ من خلاله صنع أشكال ومجسمات خشبية، ويحتاج إلى قدرات عالية من خيال واسع، وخفة يد، ودقة في البصر، مع توازن بين عمل العقل والعين واليد، وهو تجسيد لخيال الفنان بقطعة خشب من شكلها الخام الطبيعي الى قطعة تجسد فكرة أو رؤية لدى النحات بالقص والنشر، بحيث ينقل القطعة الى صورة.
ويوضح الأشقر: إن الحفر بحاجة الى مولدات ذات سرعات متعددة، فاستخدم مولد الغسالة البسيط، لأن عدد لفاته قليل إذا كانت قطعة الخشب غير منتظمة على الإطلاق وبها ذبذبات كثيرة أثناء الدوران، واستخدم مولد المياه في السرعات الأكثر، أما مولد الغسالة الأوتوماتيكيية فاستخدمه للسرعات العالية وعمل سريع وفي غالب الأحيان لا أحتاج المولد الأول والثاني.
ينظر حفارو الخشب في سلفيت الى أن كل شخص لديه قدرات ومواهب مميزة، لكنها مدفونة بداخلة يجب إخراج هذه القدرات واستغلالها قدر المستطاع، فالعالم الآن متجه نحو المهن والحرف اليدوية، فالاعتماد على الشهادة الجامعية بات غير كاف، نظرا لعدم وجود وظائف شاغرة كافية تلبي احتياجات الخريجين.