فلسطين تستقبل أبطالها بالفرح والدموع
يزن طه
يوم كامل في الانتظار، استعدادت منذ الصباح، وصول مبكر لساحة المقاطعة، المكان المقرر لاستقبال الأسرى المحررين ضمن الدفعة الثانية من صفقة التبادل بالجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
صغار وكبار ورضع كانوا ينتظرون بفارغ الصبر لحظة وصول إبنائهم المحررين، بشغف يسترقون السمع لأي كلمة تطمئنهم على خروج أبنائهم من المعتقلات ووصولهم رام الله.
البعض منهم افترش الأرض وبعضهم أخذ يذرع الساحة جيئة وذهابا، ينفث دخان سجائره محاولا إضاعة الوقت، وآخر يبحث عن فنجان قهوة أو كأس من الشاي لعلها تساعده في أن يبقى متيقظا وتروي شيئا من عطشه.
الشباب منهم، أمضوا معظم الوقت في الرقص على وقع الأغنيات الفلسطينية الثورية، تلك الأغنيات التي كانت تهنئ الأسرى بالإفراج عنهم، وتتغنى ببطولاتهم وبطولات شهداء وجرحى فلسطين ممن سبقوهم في النضال.
أبو محمد من بيت فجار 46 عاما، ينتظر ثلاثة من أقاربه الذين تصل فترات اعتقالهم إلى 14 عاما، منذ التاسعة صباحا، يقول: "نكدوا علينا، مفروض يطلعوهم الصبح، ليش خلوهم لليل".
فيما يقول أبو علي 58 عاما: "بستنى في أولادي، وإن شاء الله ربنا بفك أسر أخوانا الأحكام العالية وبجمع شملهم بأهاليهم وشعبهم، وما بضل ولا أسير إلا بكون بين أهله. موجود من العاشرة صباحا، ننتظر أبناءنا على جمر".
أم بكر من المزرعة الشرقية شمال شرق رام الله، حرصت على التواجد مبكرا على أمل الإفراج عن ابنها في وقت غير الوقت المعلن، تقول: "أنا الوحيدة اللي كنت أقدر أروح أزوره، وكنت أروح كل الزيارات، وآخر زيارة كانت قبل إعلان أسماء المفرج عنهم بيوم، وتفاجأت أن اسمه بين المفرج عنهم".
التعب والإرهاق شعور ما لبث أن تبدد فور رؤية الأبناء ينزلون الحاجز الأخير لاحتضان أهلهم وأحبتهم، بدأ التدافع والصراخ، فهذا يصرخ على أخيه للقائه، وتلك تركض لمعانقة ابنها الذي حرمت رؤيته سنوات بسبب ظلم الاحتلال وجبروته.
ارتفعت الأعلام والرايات وعلت أصوات الزغاريد وارتفعت الهامات والمعنويات، فيما كانت الدموع الشيء الوحيد الذي سقط في تلك اللحظة، دموع الفرح التي استقبلت الأسرى بدفء بدد عتمة الليل وبرد الأجواء.
الأسير المحرر محمود خصيب أمضى تسع سنوات هي مدة حكمه تحدث معنا وهو يحتضن والدته، عبر عن سعادته بالإفراج "رغم أننا أنهينا أحكامنا، كان مفروض يكون في متابعة لأسماء المفرج عنهم، طالبنا تبديلنا بأشخاص بقيت لهم سنوات لكنهم رفضوا".
أما والدته فتقول: "إن شاء الله ربنا بفك أسر الباقيين، وعقبال ما يجتمع كل الأسرى بأهلهم".
الأسير المحرر محمود موسى من مخيم بلاطة المحكوم عشر سنوات، أمضى منها 8 سنوات و10 أشهر يقول: "إحنا فرحتنا منقوصة لأنه تركنا إخوة إلنا في السجن، ولازم القيادة والفصائل كلها تشتغل على موضوعهم، وألا يقتصر الموضوع على معاش أو غيره، لأن الأسير كما وهب حياته في الأسر من أجل شعبه يستحق أن نلتفت إليه أكثر وأكثر".
وبعد أن تم اللقاء، انطلقت مواكب الفرح تحمل أبطالها، كل إلى مسقط رأسه، سيارات مزينة بصور الأسرى وأعلام تعانق السماء في ليلة سطعت فيها شمس الحرية.