لحن المطرقة الأخير
شادي جرارعة
محل حدادة وحيد في "سوق الحدادين" بالبلدة القديمة في نابلس، وصوت مطرقة منفرد في السوق الذي كان يعج قبل عشرين عاما بأصوات مطارق الحدادين.
فعند الاقتراب من منتصف السوق تُسمع ألحان مطرقة الحداد الأخير نضال زبلح (25 عاما) التي تعزف على صفيح من الألمنيوم.
يقول زبلح "كنت أحضر إلى هنا منذ صغري الى دكان والدي واستمع إلى أصوات المطارق التي تخرج من جميع المحلات داخل السوق، وقد بدأت بتعلم هذه المهنة منذ سن الثالثة عشرة".
يدخن زبلح ويمسك بيديه صفيح الألمنيوم ليصنع منه فرناً قد طلبه منه أحد المواطنين.
"هذا المحل مفتوح منذ عام 1960، فقد ورثته عن جدي الذي عَلم المهنة لوالدي وبعدها علمني إياها، المهنة تغيرت كثيرا عن الماضي، فقد أصبحت تعتمد كثيرا على الأدوات الحديثة، وأصبح الطلب عليها قليلا جدا، فقد كان هذا السوق يعج بالمواطنين والبائعين"، يضيف.
سوق الحدادين لم يعد كذلك؛ المحلات أصبحت تستخدم لبيع الخضروات والألبان، وأصوات الباعة بدأت تعلو يوما بعد يوم، وأصوات المطارق بدأت تختفي، "اللحن حزين لا يشبه اللحن الذي سمعته واحببته منذ صغري" يقول زبلح.
يمتهن الشاب الحدادة وخاصة 'السمكرة' فيعمل على تبيض النحاس الذي بدأ بالاندثار أيضا، "فلم يعد هناك من يعمل على تبيض النحاس في نابلس بعد أن كان هذا السوق يعج بالمواطنين الذين يأتون لتبيض الأواني النحاسية المستخدمة في منازلهم, أما الآن فنحن نصنع صفائح الألمنيوم المستخدمة في صناعة الكنافة النابلسية" يضيف.
زبلح في سنٍ مناسبة للزواج، ويؤكد أنه اذا رزقه الله بالأطفال، سيعلمهم مهنة الحدادة حتى لا تنتهي هذه المهنة، فهي إرث عائلي.
الستيني سيلمان الفيومي يقول "عندما كنا نخرج من سينما ريفول، كنا نسمع أصوات المطارق تتعالى من المحلات المنتشرة على طول السوق، فقد كان هناك سوقان للحدادة، واحد شرق نابلس، وآخر في البلدة القديمة الذي كان يتمتع بالحيوية إذ لا يخلو نهائيا من الباعة والناس، والآن نوع الحيوية اختلف إذ حلت الخضروات والفواكه مكان الحديد والنحاس الذي كنا نراه منتشراً بالسوق".
عازف المطرقة الأخير سينقطع وتره, ويغدو يوما من الماضي مثله مثل باقي الحدادين الذين تركوا مهنتهم لعدم قدرتهم على إيجاد من يمتهنها بعدهم.