"مغارة الأصنام" في دير بلوط
علا موقدي
في بطن الوادي وما يعرف بـ "لحف ظهر أبو الرايات" في قرية دير بلوط غرب سلفيت، كان الراغب رشيد عثمان مصطفى يرعى أغنامه في أواسط الثمانينات، وحينها بنى "صيرة" وهو مكان توضع فيه الغنم، بجانب فتحة صغيرة لكهف، تدخل منحنيا تضطر الى الزحف قليلا، لتجد مساحة تقارب 30 متر مربع، يضيق فيها النفس وتتعالى أصوات نقاط الماء، وتكاد أن لا ترى اصبعك من العتمة .
ويروي الحاج مصطفى لـ"وفا": في إحدى الأيام سقط في زاوية الكهف أحد خِرافه، وظن أنه وجد كنزاً، فنزل حوالي 3 أمتار بشعلة نار، ليجد مناظر طبيعية متدلية من السقف، وأخرى من الأرض بلونها الوردي البراق، ونقاط ماء تدق في أكثر من مكان طوال العام، لم ير مثلها في حياته، وكأنه طابق ثانٍ للكهف بمساحة تصل الى 50 متراً مربعاً، عرف أهالي دير بلوط بما حدث، وزارها عدد منهم، ولغرابه أشكال الصخور أطلقوا عليها اسم "مغارة الأصنام".
ويوضح معلم الجغرافيا نعيم أبو حمدة: ما يعرف بمغارة الأصنام، ليس له أي علاقة بالبعد الديني، وإنما تشكل منذ مئات السنين، نتيجة عوامل طبيعية، والذي يعرف بالصواعد، والهوابط، وقد يقدر معدل تنامي المتدلية 0.13 مليمتر في السنة، ويمكن أن يصل معدل تناميها إلى 3 مليمتر في السنة، وتتساقط نفس قطرات الماء من المتدلى على الأرض، مكونة صواعداً مخروطية، تنتصب على الأرض، وتشكل تحفة فنية طبيعية مميزة.
الأربعيني باسم موسى يقول: عشت ونشأت بين هذه الجبال وأحبها منذ طفولتي، واليوم اصطحب أطفالي لتعريفهم على الطبيعة الخلابة، والتاريخ الأصيل، وأعرف تفاصيل كل متر أرض، وطبيعة كل حجر، أو نقش في تلك المنطقة، وأسماء الأراضي، وأصحابها، والأعشاب، والشجيرات التي تنمو فيها.
ويضيف: هذه المنطقة غنية بالتفاصيل الطبيعية، والإرث الحضاري، تعود للفترة الرومانية والبيزنطية، واعتقد أهالي البلدة أنه ونتيجة للأشكال الغريبة في المغارة ووجود الخرب المحيطة بها ربما تكون معبداً لمن سكن تلك المنطقة في القدم.
تعلو جبال دير بلوط خربة دير دقلة، ودير قلعة، وخربة مسمار، وتعمر، وكفر النشا، والمخرمشة، وابو الرايات، الذي يقع على جانبي واد العين، ويرتبط بواد سريدا، وصولا الى الداخل الفلسطيني المحتل.
يقع على جانبي واد العين مرتفعات صخرية شاهقة، تتوسطها فتحات صغيرة حيث المصّاية، والكهوف، والمغر، والمدافن، والتي يقول موسى أنها استعملت كنقاط مراقبه لخدمة وحماية الخرب، حيث تتسع تلك الكهوف المعلقة لشخص، أو اثنين، وكان يتم تبادل الاشارات بالمشاعل في القدم.
استخدمت هذه الكهوف خلال الانتفاضة الأولى كملجأ للمطاردين، ويقول المواطن ماهر قرعوش: كنا نأتي هنا ليلاً مع مجموعة من شبان الزاوية، وكفر الديك، نتسلق الجبل، والصخور الشاهقة، ونزحف داخل الكهف، بعد تنظيفه من الأتربة، لنجد أنه يتسع لعشرة أشخاص، ومن خلاله يستطع الانسان أن يرى مساحة واسعة من الوادي، في حين المتواجد في الواد يكاد يرى فتحة صغيرة في أعلى هذا الجرف الصخري.
مدير التنمية المستدامة في محافظة سلفيت عمر السلخي يبين لـ"وفا": كافة بلدات وقرى المحافظة غنية بالمقامات والخرب والكهوف، وقد تشكل قطاعا اقتصاديا يجب الاستثمار فيه، خاصه وأن تلك المواقع تتعرض للعزل والتدمير والتزوير المستمر من قبل المستوطنين، بهدف طمس الهوية الفلسطينية، وهذه التحفة الطبيعية كباقي الكهوف والآثار التي تتربع في طبيعة واد دير بلوط تحتاج الى المزيد من الاهتمام، والحفاظ عليها، وزيارتها، وحمايتها.