المخدرات.. آفة يتنامى انتشارها في المناطق غير الخاضعة للسيطرة الفلسطينية
الخليل- وفا- جويد التميمي- في جمعية الصديق الطيب ببلدة العيزرية جنوب شرق القدس المحتلة، يجاهد أحد مدمني المخدرات من خلال العلاج المكثف من أجل الإقلاع عن الإدمان على هذه الآفة طيلة 10 سنوات.
"وفا" التقت هذا الشاب الذي فضل عدم البوح باسمه، وتحدثت منه حول تفاصيل الوقوع في شرك المخدرات، قال: "وقعت بإرادتي الشخصية في الإدمان كان عمري وقتها 30 عاما، ولدي 4 من الأبناء، حيث أن السبب الرئيسي في إدماني هو الضغوطات الاجتماعية ومنها صعوبة توفير متطلبات الحياة".
وتابع:" أسوأ يوم في حياتي، هو عندما لجأت لتعاطي المخدرات دمرت أسرتي وأبنائي، لا أعي كيف أصبحوا شبابا، أنا لم أفرح بهم يوما منذ أدمنت، لأنني لا أرعاهم، زوجتي صابره رغم أن الجميع ينفر مني، والمجتمع ينبذني بكافة أطيافه، حتى اسرتي الكبيرة لا ترحمني لأنني أخطأت بحقها.
وقال: فعلاً أنا أخطأت في ساعة غضب أنا دمرت بيتي"، مضيفا: "الشاطر بتعلم من كيس غيره".
لكن المشرف في جمعية الصديق الطيب ببلدة العيزرية عوني الطوباسي يؤكد لـ "وفا أن الجمعية تعالج جميع حالات الإدمان سواء المخدرات أو الكحول أو غير ذلك.
وأضاف: نتعامل مع المدمن وعائلته ومجتمعه الأوسع، ونركز على تقديم العلاج والتأهيل للمدمن، ونقدم برامج التوعية المجتمعية وبرامج الإرشاد النفسي والاجتماعي والمساندة لعائلة المدمن.
وأردف: في الآونة الأخيرة ظهر ارتفاع ملحوظ في نسبة الإدمان على المخدرات وذلك بسبب انتشار مادة "الهايدرو" بشكل كبير، وفي عام 2016 دخل المركز العلاجي في الجمعية 89 حالة إدمان، منها 69 حالة جديدة و20 مكرره، في حين كان العدد أقل عام 2015 حيث وصل عدد من دخلوا الجمعية للعلاج 76 تقريبا".
وأوضح أن العدد الأكبر من الأشخاص الذين يتوجهون للعلاج في مركزهم من أبناء محافظة القدس، تليها محافظة الخليل ومن ثم قلقيلية.
وتابع: "من يدخل بإرادته الشخصية للعلاج سواء في مركزنا أو مركز النور والطهارة في شعفاط والذي يعمل بالشراكة مع مركز النبي موسى في أريحا، يستفيد ويتعافى عادةً، فالإرادة القوية هي أفضل سبيل للعلاج، فالمدمن عدا عن تدميره لنفسه وأسرته يحتاج يوميا على أقل تقدير 100 شيقل للتعاطي".
وأسهب الطوباسي قائلا، يعاني المدمن كما عائلته من الوصمة الاجتماعية وهي النظرة السلبية التي يحملها المجتمع حوله، وهذا يسهم في اضطرابه نفسيا فيشعر هو وأسرته بالخجل والانحطاط، لذلك ينبغي على جميع أطياف المجتمع محاربة هذه الآفة وتوعية الشباب خاصة المراهقين حول مخاطرها من خلال برامج متكاملة وشاملة تتضمن تدخلات مترابطة.
وقال: إننا في جهودنا نحد من انتشار الإدمان في مجتمعنا الفلسطيني، ومن هنا علينا زيادة الوعي المجتمعي بمشكلة الإدمان على المخدرات والكحول وآلية التخلص من هذا المرض الاجتماعي من خلال الندوات والمحاضرات ووسائل التوعية المرئية والسمعية والاعلام الجماهيري.
وأشار الطوباسي، إلى أنهم يعملون في الجمعية، على تدريب القيادات الشابة الفاعلة في المجتمع الشبابي لأخذ دور فاعل في مساعدة أقرانهم من الشباب لحمايتهم من الانزلاق في عالم المخدرات والإدمان والانحرافات السلوكية، وتقديم التدريب الأكاديمي والتربوي لطلبة الجامعات الفلسطينية والمؤسسات التربوية المتخصصة في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية لتعزيز مساهمتهم في حماية المجتمع.
مكافحة المخدرات عمل متواصل ودؤوب:
قبل أيام، تمكنت الشرطة الفلسطينية، وإدارة مكافحة المخدرات بالتنسيق مع النيابة العامة بضبط مشتل ومصنع للمواد المخدرة في بلدة دورا بمحافظة الخليل مجهز بأحدث التقنيات تصل كلفتها إلى ما يقارب 4 مليون شيقل.
وحسب الإدارة العامة للمكافحة، فإن عدد قضايا المخدرات في الضفة الغربية وصلت إلى 1437 قضية عام 2016م، في حين كان عددها عام 2015م 1254 ما يدلل على ارتفاع في نسبة قضايا هذه الآفه على مستوى الوطن التي ينشط مروجوها وزارعوها غالبا في المناطق التي لا تخضع للسيطرة الأمنية الفلسطينية.
وفي إشاره إلى المتابعة الحثيثة قال المقدم علي أبو صبحة لــ"وفا" المبنى الذي ضبط به قبل أيام عدة، معمل المخدرات بالإضافة إلى آلاف الأشتال في دورا، أقيم على تلة مرتفعة وصمم على الطراز الحديث، وزين بأجمل أنواع الحجر ليكون على شكل "فيلا" لعدم إثاره أية شبهة صوبه، لكن المكافحة استطاعت الوصول له واقتحامه والنيابة تتابع القضية حسب الأصول.
وبدوره، أوضح نائب مدير إدارة مكافحة المخدرات المقدم عبد الله عليوي لـ"وفا" إن عدد قضايا ضبط المخدرات خلال الفترة الممتدة من 1/1/2016 وحتى غاية 31/12/2016 وصل في محافظة الخليل بلغت 165 قضية، بنسبة 11.48% على مستوى المحافظات الشمالية "الضفة"، فيما وصل عدد القضايا في ضواحي القدس إلى 275 أي بنسبة 19.13% وهي الأعلى على مستوى الضفة الغربية، بينما كان عدد القضايا في الخليل عام 2015 134 بنسبة 10.68% على مستوى الضفة، وكان العدد في العام ذاته بمناطق ضواحي القدس 118 بنسبة 9.40%.
ونوه إلى أن هذه الإحصائيات تدلل على وجود تنامي وتزايد في أعداد القضايا المضبوطة والمضبوطين ووجود تزايد في أوزان وأعداد وكميات المواد المخدرة المضبوطة سنويا.
وذكر أن الفئة العمرية الشابة من (20 إلى 30 عاما) سجلت أعلى نسبة من بين عدد المضبوطين خلال عدد من الأعوام القليلة الماضية.
وبين أن عدد القضايا المنجزة وكمية المضبوطات في محافظة الخليل من تاريخ 01/01/2017 ولغاية 28/ 02/ 2017 ( 21 ) قضية، وأن عدد الأشخاص المضبوطين في قضايا مواد مخدرة خلال الفترة المذكورة بلغ (22) شخصا.
ونوه نائب مدير إدارة مكافحة المخدرات، إلى أن المكافحة ورغم وجود تنامي وازدياد ملحوظين في أعداد المضبوطين في البلدات والقرى الفلسطينية، وأعداد المضبوطين في قضايا ترويج وتجارة المواد المخدرة، وأعداد ضبط المستنبتات التي أعدت لزراعة أشتال القنب الهندي تعمل بشكل جدي ونشاط دؤوب لمحاربة ومكافحة مراكز الترويج للمخدرات، وبخاصة في المناطق التي لا تخضع للسيطرة الأمنية الفلسطينية لحماية المجتمع من هذه الآفة.
وأشاد في الوقت ذاته، بتعاون الأهالي الحقيقي مع العاملين في فروع مكافحة المخدرات، موضحا أنه تم ضبط ما يزيد عن 75 شخصا قام الأهالي بالإبلاغ عنهم للعاملين في فروع الإدارة المختلفة على مستوى الوطن على أرقام الشرطة المختلفة وخاصة الرقم 100، غالبيتهم تم الإبلاغ عنهم من قبل أهاليهم بهدف المساعدة في علاجهم وتوجيههم صوب المراكز المختصة.
النيابة: إجراءاتنا في قضايا المخدرات تتم حسب الأصول لكن الاحتلال عائق
وعقب رئيس النيابة العامة في يطا جنوب الخليل رشاد الهوارين على قضية انتشار المخدرات بالقول: إن النيابة وبعد ضبط المخدرات من قبل الشرطة وحضور أعضاء من النيابة، في كثير من الأحيان تتخذ إجراءاتها على الفور وتفتح ملف تحقيق حسب الأصول، وبعد انتهاء التحقيقات يحال الملف إلى مكتب النائب العام إذا كان جنائيا، وإلى المحكمة في حال كانت جنحة، وتتم المحاكمة حسب الاصول والقانون.
وأضاف الهوارين، المعضلة التي تواجهنا في قضايا المخدرات تتمثل في المتهمين الذين يحملون بطاقات شخصية إسرائيلية؛ لأن طلب إحضارهم يتم عبر جهات إسرائيلية غير معنيه بمحاربة هذه الآفة خاصة في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية.
وجوب التصدي للمخدرات حماية للمجتمع
من جانبه، قال رئيس محكمة الاستئناف الشرعية، عضو مجلس الافتاء الأعلى القاضي عطا المحتسب إن آفة المخدرات بشتى أنواعها حطمت أمماً كاملة، وتهدد أمماً قائمة وحضارة فاعلة، فكان الإسلام هو الأسبق إلى تحريم المخدرات والمسكرات والتحذير منها ومن شرورها التي تفتك بالبدن والعقل والأخلاق فتضيع الدين والدنيا، لذلك يُحرم تعاطيها وبيعها وشرائها وحيازتها مع وجوب التصدي لها حماية للمجتمع.
وأردف: إن مسؤولية محاربة هذه الآفة الخطيرة تقع على كاهل الجميع، تحقيقا لبناء دولة قوية بكل أفرادها ومؤسساتها، لنبني ما هدمه الاحتلال الاسرائيلي ونصلح ما أفسده، ونزرع ما اقتلع.
واسهب: التقليد الأعمى خاصة في حياة المراهقين، والمشاكل الأسرية، لها دور كبير في هذه الظاهرة، فهذه الأمور من أسباب وقوع بعض الأبناء في طريق المخدرات، حيث أن الخلافات الزوجية، أو الطلاق لها أثرٌ كبيرٌ في حصول الهدم للبيت والشتات للأولاد، فيكون ذلك سبباً في وقوع البعض منهم في طريق المخدرات، فلنحافظ على أسرنا وأولادنا من الضياع والوقوع في براثن المخدرات.
وأردف المحتسب: المخدرات سلاح استغله المحتل ليحطم به شبابنا، تخديراً لهم، وشلاً لجهودهم، وإهداراً لطاقاتهم، وقبل ذلك تدميراً لدينهم وقضاءً على مستقبلهم، ومع ما ذكرنا فقد امتدت أيدي بعض من لا خلاق لهم من مجتمعنا لتناولها، بل والأدهى من ذلك معاونة المحتل على ترويجها، فأظلمت حياتهم بعد البصيرة، وانطفأت بصائرهم بعد النور، وألغوا عقولهم بعد استنارتها، فعبدوا اللذة والشهوة المؤقتة، وأقدموا على الجريمة، فأيتموا أطفالهم، ورملوا نساءهم، وأشاعوا الفساد في الأرض بعد إصلاحها.
وناشد المحتسب، وسائل الإعلام وخطباء المساجد والدعاة ووزارة التربية والتعليم والنوادي الرياضية والمؤسسات الاجتماعية أن يكون لهم دورٌ متميزٌ في محاربة هذه الآفة.
وقال في تصريح لــ"وفا": لو قام الجميع بدوره الهام في نشر أضرارها، والتعريف بعقوبة متعاطيها والمتاجر فيها في الدنيا والآخرة لحرص الناس على محاربتها، ولبذلوا الغالي والنفيس من أجل والقضاء عليها.