استيطان المراعي يأكل الأخضر واليابس
الحارث الحصني
على مدى سنوات طويلة ظل مشهد رعاة فلسطينيين يجوبون مراعي شرق الضفة الغربية أمرا مألوفا وعاديا، إلا أن دخول المستوطنين على خط هذه المهنة قلب ذلك المشهد رأسا على عقب.
ولم تقف سياسة الاستيطان في الأغوار الشمالية عند حد بناء المعرشات والبركسات على قمم الجبال القريبة من خيام المواطنين، بل صار مؤخرا هؤلاء المستوطنون يعملون على الاستيلاء على مراعي المواطنين في هذه المناطق.
وتعتبر منطقة شرق الضفة الغربية التي تضم جبالا وسهولا منخفضة واحدة من أكبر المناطق الرعوية في فلسطين.
وتشهد تلك المناطق منذ عدة شهور بناء معرشات يقوم بها مستوطنون قرب خيام المواطنين. خلال الاشهر الماضية تحول جزء من تلك المعرشات الى حظائر مواشٍ، يملكها المستوطنون الذين استولوا على المراعي الفلسطينية.
صيف العام الماضي، أقام مستوطن معرشا متوسط الحجم، وحظيرة أغنام في خلة حمد بالأغوار الشمالية، وبدأ تدريجيا بالاستيلاء على الأراضي الرعوية، وطرد الرعاة منها.
صباحا ومساء يتحدث مواطنو المنطقة عن خروج قطعان من مواشي المستوطنين من أنويةالمستوطنات الجديدة صوب مراعيهم.
وعلى بعد مئات الأمتار للجنوب الشرقي، يلاحظ عدة حظائر للأغنام بناها مستوطنو مستوطنة "روتم"، ويشاهد بشكل متكرر مستوطنون يرعون أغناهم بالقرب من تلك الحظائر.
و"روتم"، هي إحدى المستوطنات المقامة على قمة أحد جبال الأغوار المطلة على بيوت المواطنين، قد أقام مستوطنوها حظائر للأغنام على سفح الجبل المقامة عليه.
خلال اليومين الماضيين كان مستوطنون يلاحقون رعاة الأغنام في منطقة خلة حمد بالأغوار الشمالية و يطردونهم من الأراضي الرعوية.... ثم أيضا اعتقل الاحتلال أحد الرعاة أكثر من ثلاث ساعات.
"إنهم قريبون مني جدا، مستوطنين على خيولهما يصطحبان كلبيهما(...)، نتحدث لاحقا". يقول رسمي، وهو أحد رعاة الأغنام في خلة حمد.
ويضيف رسمي، إذا لم تقف لأغنامك، وتتابعها بشكل جيد، سيعتدون عليها، ويمكن أن يقتلوا إحداها. هم يريدون إبعادنا عن المراعي بأية طريقة.
وينتظر أصحاب الماشية من كل عام هذه الأيام التي تكون فيها الجبال قد اكتست باللون الأخضر، لكن هذا العام بدا الخوف من المستوطنين اشارة سيئة لهم.
ويقول رعاة يسكنون في المناطق الرعوية إن المستوطنين يستولون كل يوم على مراع جديدة.
" هم موجودون في معرشاتهم طوال الوقت، استولوا على مئات الدونمات من المراعي، كلما خرجنا للرعي جاءوا إلينا وطردونا". يقول محمود عواد احد الرعاة في المنطقة.
بالنسبة لعواد الذي يملك أكثر من 400 رأس من الغنم، فهذا يعني أن أغنامه التي تمشي أكثر من خمسة كيلو مترات أخرى، يؤدي ذلك لإرهاقها، وانخفاض كمية انتاجها.
وقبل أكثر من اسبوعين اعتدى مجموعة من المستوطنين على أغنام عواد التي كانت ترعى في الأغوار، وجرحوا اثنتين منها.
وقال عارف دراغمة الباحث في شؤون الاستيطان إن هناك نحو 12 راعيا من المستوطنين يتجولون ويسيطرون على مساحات واسعة من المراعي.
وأضاف" خلال العشرة أيام الأخيرة اعتدوا على الرعاة ومواشيهم".
"أقود أغنامي نحو الجبال بحثا عن مراعي آمنة لكن اليوم لم يعد أي مكان آمن". قال عواد.
بعض رعاة الأغنام قالوا إنهم يفضلون الرعي بعيدا عن تلك المناطق التي استولى عليها المستوطنون في الأغوار، رغم المشقة على أغنامهم.
يمتلك صالح سعد ما يقارب 90 رأسا من الغنم، يضطر أحيانا أن يرعى بها بعيدا عن مناطق استولى عليها المستوطنون، كما يقول.
"هناك فرق بين 400 رأس غنم وبين 90، لا أستطيع أن أضبط هذا العدد كله لوحدي، وأولادي ليسوا كل الوقت عندي". قال عواد.
وتبقى الأغنام بعض أيام الأسبوع في حظائرها، بسبب تواجد المستوطنون في الأراضي الرعوية. على حد قوله.
ويبدو أن سياسة الاستيلاء على المراعي أصبحت تشتد يوما بعد الآخر، فهناك أخبار شبه يومية من مناطق كثيرة من الأغوار تحديدا في منطقتي الحمة، ومزوقح، تقول إن مستوطنين يستولون بشكل شبه يومي على مئات الدونمات من المناطق الرعوية، ويطردون الرعاة منها.
وتقدر مساحة الأراضي الرعوية المفتوحة الممتدة من نهر الأردن حتى طوباس بــ165 ألف دونم- حسب احصائية رسمية.