"عطاء متجدد"
بدوية السامري
على يسار مدخل مستشفى "الاتحاد النسائي العربي" بنابلس وقفت رئيسة جمعية الاتحاد حاليا السيدة عهود الخفش تقرأ للحضور أسماء عضوات الهيئة الادارية للاتحاد النسائي العربي عام 1970 سنة تأسيس المبنى، برئاسة السيدة عندليب العمد.
"اثنتا عشرة سيدة حُفرت أسماؤهن على حجر بنقش لأنهن جديرات بذلك، ليكون شاهدا على عطائهن لأبناء مجتمعهن النابلسي، فطالما كان للنسوة دور ريادي طليعي نضالي في نابلس، انه العطاء المتجدد حتى يومنا هذا"، تقول يعيش.
وتضيف: كانت بداية العمل التحرري للمرأة في نابلس في مطلع عشرينيات القرن الماضي، عندما أطلقت هدى شعراوي الناشطة المصرية في حقوق النساء صرختها لتحرير المرأة العربية، فلبت النداء عدد من النساء العربيات عامة، ونساء فلسطين خاصة.
وفي نابلس، نجحت مريم هاشم التي انحدرت من أسرة محافظة، في حشد عدد من الناشطات النابلسيات لتؤسس معهن لجنة الاتحاد النسائي العربي، وكانت فكرتها في تحرير المرأة عقلها ويدها، عقلها من خلال تعلم القراءة والكتابة، فبدأت بفكرة دروس محو الأمية في منزلها داخل البلدة القديمة في نابلس، ويدها بكسب المال، من خلال تعليمهن فن الخياطة، وساعدتها بذلك زميلتها عندليب العمد التي كانت تعمل بالخياطة، فبدأن بتعليم النسوة الخياطة، ليستطعن كسب قوت عيشهن بأنفسهن، وبذلك تكون قد حررت النساء، كما رأت هي ذلك.
وبدأت هاشم شيئا فشيئا بنيل ثقة أهالي المدينة بعملها وأخلاقها فكان صوتها مسموعا، ولها حضور مؤثر في الأوساط الاجتماعية في المدينة، لتمتعها بالمصداقية، وسعيها لأهداف سامية تفيد المجتمع.
بقيت تعطي وتعمل من أجل مجتمعها النابلسي وتقدم ما تستطيع، وتزرع روح العمل في النساء حولها إلى أن توفاها الله عام 1946، لتستلم رئاسة الاتحاد من بعدها العمد.
كان عدد من النساء في ذلك الوقت أمامهن أهداف يردن تحقيقها، فالحاجة في ذلك الوقت ولّدت لهم الأفكار الانسانية لمساعدة الغير.
وتضيف يعيش أنه ومع بداية النكبة في العام 1948 استقبلت نابلس الكثير من المهجرين ومنهم الحوامل والأطفال والمرضى فكانت فكرة النسوة تقديم الاسعاف الأولي بداية، وبعدها قامت العمد بإنشاء غرفتين، واحدة للولادة وأشرف عليها الدكتور وليد قمحاوي حينها، وأخرى للمرضى، وأطلقن على ذلك اسم "مستشفى الشهباء"، الذي كان اللبنة الأولى لمستشفى الاتحاد العربي حالياً.
وتؤكد يعيش: "المستشفى لم يؤسس خلال العام 1970، لكن المبنى هو من تأسس في ذلك الوقت، فالمستشفى كان قائما باسم آخر ومكان آخر في المدينة منذ العام 1948".
وتضيف: المستشفى أهلي يقدم خدماته في أقسام عدة تخدم أهالي المدينة والمحافظات المجاورة، وريعه يذهب لصالح نشاطات الجمعية المختلفة.
وبفعل النكبة وما تركته أصبح هناك عدد من اليتيمات فأنشأت الجمعية دارا لليتيمات وأطلقت عليها اسم "روضة الفتيات"، وما زالت تقدم الخدمات لليتيمات ممن حرمن حنان الأسرة إلى يومنا هذا فهي حاضنة لهن، ويشعرن بالأمان والاستقرار، وذلك لوحظ من خلال نظرتهن لرئيسة الجمعية واسراعهن لحضنها حال رؤيتها.
كما أنشأت الجمعية كلية التمريض ويتخرج منها سنويا العشرات، ومركز النور للكفيفات اللواتي حُرمن نعمة البصر، ومركز مريم هاشم لفنون الطهي وتستقبل فيه الفتيات اللواتي أنهين الصف العاشر الأساسي بنجاح، وأكدت يعيش أن خريجاته يحصلن على فرص عمل حال تخرجهن منه، كما أنشأت مركز لواحظ عبد الهادي للتصنيع الغذائي.
وبرغم التقادم الزمني ما زال هذا الصرح الاجتماعي الخيري معطاءً ناشطاً في مجال الخير والمساعدة، واللواتي قمن عليه والقائمات عليه حتى وقتنا الحالي استطعن أن يؤكدن حضورهن، وخدمة غيرهن في نواحٍ انسانية عدة، بما استطعن، وبمساعدة مادية من التبرعات وأهل الخير الذين يؤكدون أنه ما يزال على الأرض ما يستحق العطاء والحياة.