كيف دمر جيش الاحتلال مزروعات ألفي دونم شرق قطاع غزة؟
بيتسيلم": على مرّ السنين أصاب الجيش وقتل مئات الفلسطينيين دون أن يشكّل أيّ منهم تهديدًا لحياة أحد
غزة- روى مزارعون في قطاع غزة، كيف دمر الجيش الإسرائيلي مزروعاتهم الممتدة على مساحة ألفي دونم، على طول الخط الفصل شرق القطاع، حين قام الجيش بالرشّ على امتداد الخط الفاصل فقضى على محاصيل 2000 دونم من الأراضي الزراعيّة.
ونشر مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، " بتسيلم "، اليوم الأحد، تفاصيل عملية التدمير وواقع المزارعون في تلك الأراضي، علاوة على افادات هؤلاء المزارعين.
وروى المزارع صالح محمد سليمان النجار (53 عامًا) متزوّج وأب لستّة أولاد، من سكّان القرارة في محافظة خان يونس، عن الأضرار التي أُلحقت بمحاصيله: عملت كمزارع طوال حياتي. واليوم أنا أفلح نحو ستين دونمًا من الأرض المستأجرة، جميعها تقع على مسافة 400-650 مترًا من الحدود مع إسرائيل. أزرع فيها السبانخ والذرة والفول والعدس والقمح. من بين كلّ هذه المحاصيل، كان الفول فقط جاهزًا للحصاد قبل الرش. أوراق السبانخ كان يُفترض أن تكون جاهزة للقطف وللبيع في السوق بعد موعد الرشّ بعشرين يومًا.
وقال: في يوم الاثنين، الموافق 23-1-2017، عند الساعة السابعة صباحًا، كنت في أرضي كما هي عادتي يوميًا. فجأة وصلت طائرة رشّ تابعة لسلطات الاحتلال وأخذت ترشّ المبيدات على امتداد السياج الحدوديّ. كانت الرياح في ذلك اليوم شرقيّة – جنوب غربيّة، أي في اتّجاه أراضينا ولذلك وصل رذاذ المبيدات إلى مزروعاتي.
وأضاف: اتصلت على الفور بالصليب الأحمر وبوزارة الزراعة وأخبرتهم بما يحدث. في الساعة 10:00 من ذلك الصباح نفسه، وكان الصليب الأحمر حاضرًا، وصلت طائرة أخرى واستأنفت رشّ المنطقة. استمرّوا في الرش حتى ساعات ما بعد ظهر ذلك اليوم. لقد فقدت تمامًا محصول السبانخ، والأوراق احترقت وتدمّر المحصول كلّيًّا. لن ينمو بعد الآن. أما عن بقية المحاصيل، فإنّ معدل نموّ النبات سيكون الآن 50? فقط من حجمه، وذلك بسبب الأضرار التي لحقت بأوراق الأشتال. إضافة إلى ذلك، تحظر وزارتا الزراعة والصحة بيع نباتات في السوق تضرّرت من عملية الرشّ، ووفق تعليماتهم يجب إزالة المحصول المتضرّر.
وتابع: الأموال التي استثمرتها في هذا المحصول تحوّلت كلّها إلى خسارة - 40 ألف شيكل كنت قد صرفتها على الأسمدة والبذور والحرث والرش. لقد ذهبت هذه المبالغ أدراج الرياح، وأنا مدين لمختلف التجّار مبالغ تصل إلى ما يزيد عن 40 ألف شيكل . الآن عليّ إعادة تمهيد الأرض من جديد وزراعتها بأشتال جديدة. في هذا الشهر سوف أزرع شتل الفلفل، وسوف أضطرّ لتغطيتها بالنايلون لأجل حمايتها في حال عادوا إلى الرشّ مرّة أخرى. في السابق كانت قد لحقت بي أضرار بسبب الرشّ الذي يقوم به الجيش، ولم أتلقّ تعويضًا من أي جانب.
بدوره، قال المزارع رياض رزق إبراهيم أبو سمور(32 عامًا)، متزوج وأب لثمانية. من سكّان الزنة في خان يونس: أعمل في الزراعة منذ 17 عامًا، وفي الوقت الحالي أفلح مائة مائة دونم مستأجرة، أربّي فيها السبانخ والقمح والبقدونس والملفوف والريحان والخبيزة. تقع الأراضي على بعد كيلومتر تقريبًا إلى الغرب من السياج الحدوديّ. يوم الاثنين الموافق 23-1-2017، عند الساعة السابعة صباحًا، كنتُ في أرضي، وكان اتّجاه الريح من الشرق إلى جنوب- غرب، أي في اتجاه أراضينا. وصلت طائرة رشّ وبدأت ترشّ المبيدات على امتداد السياج الحدودي فوصل رذاذ المبيدات أيضًا إلى مزروعاتي.
وأضاف: بدأت أصرخ بشكل هستيري وأرشّ أدوية زراعية، مثل المانزيدان، في محاولة لإنقاذ الأشتال. واصلت طائرة الرشّ العمل حتى ساعات الظهر. في الواقع، كانت هناك طائرتان تقومان بعمليّة الرشّ. اتّصلتُ بوزارة الزراعة وبالصليب الأحمر، ووصل العاملون في الصليب الأحمر وبدأوا بتصوير الطائرات أثناء الرشّ.
وتابع: مضى يومان وبدأت تظهر علامات الإصابة على المزروعات. احترق محصول السبانخ تمامًا، توقّف البصل عن النموّ، واحترق أيضًا محصول الخبيزة والريحان والبقدونس والملفوف والقمح. كانت محاصيل السبانخ والبقدونس والملفوف والخبيزة جاهزة للبيع، والآن لن أربح منها "شيكل" واحد بسبب الرشّ. حصدتُ كلّ هذه المحاصيل ورميتها جميعًا. لا يمكنني أن أبيع شيئًا من المحصول الذي تضرّر لأنّ وزارة الزراعة ووزارة الصحّة تحظران ذلك.
وذكر: أنا أتحدّث عن خسارة تُقدّر بنحو 20 ألف دينار أردني (حوالي مائة ألف ش.ج) وهو مبلغ يشمل موادّ المبيدات الحشرية والأسمدة والبذور والمياه ورواتب العمّال. حاليًا أنا مدين مبلغ 150.000 شيكل لأصحاب المصالح، وأصحاب الآبار ومزوّدي الأسمدة. لا أملك المال لتمهيد الأرض مجدّدًا وزرع محاصيل جديدة، ذلك لأنّ التجار يرفضون تزويدي بالموادّ والأسمدة بالدّين- إنهم يطالبونني بسدّ ديوني الحاليّة أولاً.
وبين: نحن عشرة أنفار نعتاش من مدخول هذه المحاصيل. بالإضافة إلى ذلك، لديّ عشرة عمّال، جميعهم متزوّجون ولديهم أطفال، والآن لا أستطيع أن أدفع لهم الأجور التي يستحقونها. منذ الرشّ يأتون كلّ يوم إلى الأرض، ولكنهم يبقون بلا عمل لأنّ كلّ المزروعات احترقت.
وأردف: كنت آمل أن أبيع محاصيلي بأسعار جيدة لأتمكّن من استئجار أراضٍ أخرى وتربية نباتات أخرى. في كلّ عام أنا أنتظر اليوم الذي يمكنني فيه بيع المحصول، لكن لسوء الحظّ تضرّر كلّ المحصول. في السنوات الأخيرة، كلّ مرّة رشّوا فيها المبيدات فقدتُ محصولي. لم يعوّضني أيّ جانب عن هذه الخسائر. إذا تواصلت عمليات الرش هذه في المستقبل لن أتمكّن من مواصلة العمل كمزارع. الخسائر التي أتكبّدها جرّاء الرشّ كبيرة جدًا وأخشى أن لا أتمكّن من تغطية الديون التي تراكمت عليّ.
أما المزارع عمر مسلم حماد أبو زاهر (43 عامًا)، متزوّج وأب لتسعة، من سكّان القرارة، فروى في إفادته: كنت أعمل في الماضي كعامل زراعي في إسرائيل، ولكن منذ اندلاع الانتفاضة الثانية ترفض إسرائيل أن تعطينا تصاريح عمل، وأنا أعمل في فلاحة أرضي هنا. لديّ قطعة أرض مساحتها 2.5 دونم، على بعد 500 متر من السياج الحدودي مع إسرائيل. هذه الأرض هي مصدر الدخل الوحيد لي ولعائلتي، ويساعدني في فلاحتها ولداي شادي (18 عامًا) وأشرف (17 عامًا).
وقال: في شهر أيلول عام 2016 زرعت الأرض فولاً، وهو محصول يثمر بعد أربعة أشهر، ومنذ نضوجه يمكن حصده حوالي عشر مرات وأحيانًا أكثر. أنتجت النباتات في أرضي أسبوعيًا ما يقارب 150 كيلوغرامًا من الفول. في أوائل شهر كانون الثاني عام 2017 حصدتُ الجولة الأولى من المحصول وبعته في السوق بسعر جيد. في وسط شهر كانون الثاني حصدت مرّة أخرى. وعندها، في 23-1-2017، وصلت الطائرات الإسرائيلية ورشّت المبيدات على امتداد السياج الحدودي. كنت في أرضي في ذلك اليوم ورأيت بوضوح المبيدات تصل إلى أرضي ومزروعاتي. شغّلتُ على الفور مضخّة المياه وبدأ بغسل النباتات. واصلت غسلها حتى ساعات المساء من ذلك اليوم، وذلك للحدّ قدر الإمكان من تأثير المبيدات الحشرية، ولكن جهودي ذهبت سدىً. بعد ثلاثة أيام بدأت تظهر البقع على الفول، وعلامات احتراق، وقسم منه ذبل أيضًا.
وقال: حذّرتنا وزارة الزراعة من بيع محاصيل تضرّرت من الرشّ المباشر، ولهذا اضطررت إلى التخلص من نحو 100 كغم من الفول الناضج، في أعقاب عملية الرشّ هذه. أنتظر حاليًا لأرى مصير المزروعات، قد تثمر المزروعات إذا انتظرت بصبر، وقد أضطر إلى حرث الأرض. ليست هذه المرّة الأولى التي تخرّب فيها طائرات الرشّ الإسرائيلية محاصيلنا الزراعية وتلحق بنا أضرارًا نفسيّة. في العام الماضي زرعتُ الأرض بامية، وطيلة عدّة أشهر اعتنيت بالأشتال. عندما وصلت الطائرات الإسرائيليّة ورشّت الأرض ألحقت الأضرار في جميع الأشتال واضطررت إلى حرث الأرض، لأنّ شتل البامياء لا يصمد إذا تعرّض لهذه المواد.
وأضاف: نحن نشعر أنّ الجانب الإسرائيليّ يتصرّف على هذا النحر بشكل متعمّد، إنّهم يرشّون في ساعات الصباح الباكر وفي الأوقات التي تهبّ فيها الرياح من الشرق إلى الغرب وتحمل معها المبيدات باتجاه أراضينا. إنّهم يقومون بذلك من أجل الضغط علينا للتوقّف عن الزراعة في الأراضي القريبة من السياج الحدوديّ.
من جانبه، أورد تقرير " بتسيلم "، بالخصوص، انه منذ أيلول عام 2000 تحتفظ إسرائيل بـ"حزام أمنيّ" في محاذاة السياج الحدوديّ مع قطاع غزة، داخل أراضي القطاع. تحقيقًا لهذه الغاية، تقيّد إسرائيل وصول المزارعين الفلسطينيين إلى أراضيهم القريبة من المنطقة. على مرّ السنين، غيّر الجيش من حين لآخر عمق الحزام الأمنيّ وبالتالي المسافة التي يُحظر تخطّيها، وقد تراوح هذا العمق بين 100 و- 500 متر.
ووفق التقرير، لم يكلّف الجيش نفسه ترسيم الحدّ المحظور تخطّيه، ولا تبليغ سكّان القطاع بنطاق المساحة التي يعرّفها على أنّها محظورة، ولا بالتغييرات التي يجريها في هذا الشأن. وفوق ذلك، أحيانًا كثيرة كانت هناك فجوة بين التصريحات الرسمية حول المساحة المحظورة وبين سلوك الجيش على أرض الواقع، ممّا يبقي المزارعين في حالة من اللاّيقين الدائم.
وجاء في التقرير أن إطلاق النار كان هو الطريقة التي اتّبعها الجيش لتعريف المساحة المحظور تخطّيها، وبذلك عرّض الجيش المزارعين لأخطار جدّية. وعلى مرّ السنين أصاب الجيش وقتل مئات المواطنين ومزارعين وعمّالاً ومتظاهرين، دون أن يشكّل أيّ منهم تهديدًا لحياة أحد.
وقال: منذ انتهاء عملية "الجرف الصامد" في صيف 2014، يسمح الجيش للمزارعين بفلاحة أراضيهم وصولاً إلى مسافة تبعد حتى مائة متر عن الحدود، وفي إزاء ذلك ولأجل الحفاظ على "الحزام الأمنيّ" يقوم الجيش مرتين سنويا برشّ المنطقة المحاذية للحدود والتي لا يسمح بزراعتها، المرّة الأولى بين شهرَي كانون الأول وكانون الثاني، والثانية في شهر نيسان. وحيث أنّ الأراضي الزراعية التي يسمح الجيش بفلاحتها تحاذي منطقة الحزام الأمني التي يقوم برشّها ، فإنّ أضرارًا كبيرة تصيب المحاصيل.
وأضاف انه للمرّة الأولى هذا العام، ابلّغ الجيش في وقت مبكر عن نيّته القيام برشّ المنطقة القريبة من الحدود، ليتيح للمزارعين الذين تقع أراضيهم في محاذاة ذلك "الحزام الأمنيّ" الاستعداد مسبقًا وحماية محاصيلهم. وفي كانون الثاني عام 2016 تمّ تبليغ وزارة الزراعة الفلسطينية بواسطة الصليب الأحمر أنّه في الفترة ما بين 25-12-2016 و 5-1-2017 سيقوم الجيش بالرشّ فوق شريط على امتداد الحدود بين غزة وإسرائيل، من بيت حانون شمالاً إلى رفح جنوبًا.
وعليه، أبلغت وزارة الزراعة المزارعين التي تقع أراضيهم على بُعد مئات الأمتار من السياج الحدوديّ عن مواعيد الرشّ المتوقّع، ووجّهت إليهم إرشادات حول طرق الحيطة المناسبة للحدّ من الأضرار: جني المحاصيل الناضجة، تغطية بقيّة المحصول بالنايلون وتشغيل الماصات (الريّ بالتنقيط). احتاط المزارعون، وبالفعل رشّ الجيش المنطقة الحدودية في شمال القطاع خلال الأيام الثلاثة الأولى من شهر كانون الثاني، وكانت الأضرار اللاحقة بالمحاصيل محدودة.
وتابع التقرير: لكن الجيش استأنف عمليات الرشّ في يومَي 23 و-24 كانون الثاني، دون سابق إنذار. في هذه المرّة رشّ المنطقة الحدودية من وسط قطاع غزة إلى جنوبه، وأحدث أضرارًا جسيمة للمحاصيل مسبّبًا بذلك خسائر كبيرة للمزارعين، لأنه لم يتح لهم الاحتياط لهذه الجولة من الرشّ.
واورد انه في 23-1-2017، زهاء الساعة السابعة صباحًا، انتبه المزارعون في منطقة القرارة جنوب القطاع أنّ طائرتي رشّ تحلّقان فوق المنطقة الحدودية، داخل الأراضي الفلسطينيّة، وتقومان برشّ أراضٍ زراعيّة. استمرّت العمليّة حتى ساعات الظّهر، وفي اليوم التالي عادت الطائرات مرّة أخرى لرشّ المنطقة نفسها. وبسبب الرياح الشديدة التي هبّت حينذاك تطايرت المبيدات فوق أراضٍ زراعيّة تمتدّ على مساحات تتراوح بين 600 و-1200 متر من الحدود، وألحقت بها أضرارًا. وظهرت هذه الأضرار مباشرة في اليوم التالي، ممّا يشير إلى أنّ الجيش استخدم في هذه المرّة مبيدات أكثر تركيزًا من ذي قبل، فمن قبل كانت الأضرار تظهر بعد يومين أو ثلاثة من عمليّة الرش.
وأشار إلى أن زارة الزراعة الفلسطينية في غزة صرّحت عن تضرُّر نحو 4000 دونم من الأراضي الزراعيّة، تمتدّ من شمال القطاع وحتّى جنوبه. في المنطقة الشماليّة تضرّر 2000 دونم، وكانت الأضرار بين طفيفة ومتوسّطة، لأنّ المزارعين كانوا قد احتاطوا مسبقًا. أمّا في وسط القطاع وجنوبه فقد لحقت بـ2000 دونم من المساحات المزروعة أضرار جسيمة لأنّه لم يُتَح للمزارعين أخذ احتياطاتهم للحدّ من أضرار الرشّ، وكذلك لأن غالبية المحاصيل في المنطقة هي محاصيل ورقيّة، وهذه أكثر حساسيّة للمبيدات التي استخدمها الجيش.
في أعقاب ذلك، حظرت وزارة الزراعة الفلسطينية على المزارعين بيع المحاصيل التي تضرّرت فاضطرّ هؤلاء إلى إزالتها وحرث الأراضي من جديد. وتقدّر وزارة الزراعة الخسائر اللاحقة بالمزارعين في هذه المناطق بنحو 800 دولار للدونم الواحد.
وفي ردوه على استفسار تقدّمت به منظمة "جيشاه – مسلك"، الإسرائيلية في عام 2016، برّر الجيش عمليات الرشّ قائلاً إنّها ضروريّة "لإتاحة استمرار تنفيذ مهام أمنيّة جارية في المنطقة، على النحو الأمثل". لكنّ إلحاق أضرار كبيرة إلى هذا الحدّ بالمزارعين لا يتوافق مع هذا الادعاء، وهذا تؤكّده الأضرار التي تُلحقها المبيدات في مساحات تمتدّ على مسافة مئات الأمتار بعيدًا عن الحدود، وهو أمر يعود ويتكرّر طيلة الوقت.
وقال: إذا كانت إسرائيل على قناعة بأن إنشاء حزام أمنيّ "نظيف" بالقرب من الحدود هو أمر ضروري للحفاظ على أمنها، يتوجّب عليها إذن أن تتكرّم وتنشئ هذا الحزام داخل أراضيها هي. وإسرائيل بالتأكيد لا يحقّ لها أن تتلف محاصيل المزارعين إلى هذا الحدّ الكاسح وبهذا النطاق الواسع.