بركة "السلطان" تعاني من الاستيطان والإهمال
صلاح الطميزي
بركة السلطان في قلب مدينة الخليل، شاهد على تاريخ البلدة القديمة، وارث للأجيال وذاكرة للأجداد، وشاهد على جرائم الاحتلال الذي عمل على تهويدها لطمس هذا المعلم التاريخي والحضاري.
يقول مدير السياحة والآثار في محافظة الخليل أحمد الرجوب، إن هذه البركة التي تبعد عشرات الأمتار من الحرم الإبراهيمي تعتبر من المعالم الهامة في البلدة القديمة، تم بناؤها في الرابع عشر الميلادي، حيث بناها السلطان سيف الدين قلاوون الذي تولى السلطة على مصر والشام أيام المماليك بالحجارة المصقولة، وقد اتخذت شكلا مربعا بلغ طول كل ضلع 44 مترا.
ويشير إلى أن لهذا المعلم السياحي بعد ديني، وكانت البركة توفر المياه للحجاج بعد أن كانت تتجمع المياه فيها من 20 عينا للماء عبر قنوات فخارية، وكانت تسقي الوافدين من كافة المناطق الفلسطينية والدول المجاورة لتقديس الحج في المسجد الاقصى والحرم الإبراهيمي الشريف، كما وتعتبر منطقة للترفيه والتنزه ولقاء الأصدقاء وتداول الحديث والقضايا والجلوس على جنباتها بين عذوبة المياه وخضرة الارض.
وأوضح الرجوب أن هذه البركة تم إهمالها في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين، حيث أهملت الشبكات والقنوات التي تغذيها، وفي ظل الاحتلال الإسرائيلي قامت حكومة الاحتلال بإعلان المنطقة "منطقة عسكرية مغلقة"، وضيقت الخناق على السكان والوافدين من الوصول إليها، ومنعت المؤسسات الفلسطينية ووزارة السياحة والاثار والأهالي من ترميمها.
عبد الرؤوف المحتسب الذي يجلس على كرسيه الخشبي يحتسي القهوة ينظر إليها بحسرة ويستذكر طفولته، ويروي قصة والده الذي علمه السباحة فيها، ويقول "هذه البركة كانت متنزها ومكانا لتجمع الأهالي، كل جيلي تعلم السباحة فيها".
ويستذكر الحجاج والسياح الذين كانوا يؤموها من كافة بقاع الارض ليلتقطوا الصور فيها، أو يستبردون بعذوبة مياها، حيث كان الأهل والسكان يصلون بالحرم الابراهيمي الشريف، ويجلبون معهم الطعام من تكية سيدنا ابراهيم المجاورة للحرم ويتسامرون على مقربة من البركة.
وبمرارة يشير المحتسب بإصبعه الى أكوام النفايات والمخلفات الصلبة التي ترسو على جنباتها نتيجة للإهمال وعدم ترميمها والعناية بها، داعيا كافة المؤسسات لإنقاذ هذا المعلم السياحي المهمل نتيجة لممارسات الاحتلال ومخططاته التهويدية، آملا من المواطنين بزيارتها وعدم تركها "تصارع شبح الاستيطان... فزيارتها وزيارة البلدة القديمة ومعالمها التاريخية يعتبر نضالا، وتحديا لسياسة الاحتلال الاستيطانية".
وقال خبير الخرائط والاستيطان جنوب الضفة الغربية عبد الهادي حنتش، إن حكومة الاحتلال "تسعى ضمن سياستها لتهويد كل المعالم السياحية والتاريخية والدينية في البلدة القديمة من الخليل، حيث اغلقوا عقب مجزرة الحرم الابراهيمي شارع الشهداء الواصل الى البركة، وسوق الخضار القريب لها، و250 محلا تجاريا، ونصبوا الحواجز والابراج العسكرية والبوابات الالكترونية، واغلقوا المدرسة الابراهيمية الملاصقة للبركة، وذلك بهدف منع المواطنين من الوصول اليها، واعتبروها من المعالم التي تعود لأجدادهم".
وطالب حنتش السلطة الوطنية بإدراج كافة المعالم التاريخية والاثرية في البلدة القديمة ضمن قائمة محددة، ومتابعتها في مؤسسة اليونسكو التي تعنى بالتراث العالمي، ورفع القضايا على الجانب الاسرائيلي "الذي يسرق تاريخنا وارثنا الحضاري".