طوقان.. الوحدة تولد الابداع
بدوية السامري
في منزل عائلة طوقان الكبير في حي القصبة داخل البلدة القديمة في نابلس، وعلى يسار المدخل غرفة الشاعرة فدوى طوقان، غرفة منفردة هي الأقصر بين الغرف العالية وديوان العائلة، تشير إلى مدى محافظة العائلة الشديدة، بقضاء فدوى فيها أياماً وشهوراً عديدة من عمرها وحيدة.
لكن هذه الغرفة هي التي ثقفت طوقان نفسها بنفسها فيها، فبعد أن أنهت طوقان تعليمها الابتدائي، حرمتها عائلتها من اكمال تعليمها لأنها كانت عائلة محافظة، والسبب الرئيس الذي تحدثت به الشاعرة كثيرا في حياتها هو وردة ألقاها أحد الشبان المعجبين بها في طريقها لدى عودتها من المدرسة.
فعلم أحد أشقائها بالأمر وأرغمها على عدم مغادرة المنزل، ومنحوها تلك الغرفة الأقصر في المنزل لكي لا تستطيع أن تطل وترى المنازل المجاورة.
لكن طوقان أبت الا أن تستمر وتبني نفسها بنفسها، عندما وجدت دعما من أخيها الشاعر ابراهيم طوقان.
في هذه الغرفة كتبت طوقان أول التجارب الشعرية لها، بتشجيع من شقيقها الشاعر الذي وجهها نحو كتابة الشعر، وعمل على تنمية مواهبها، ثم شجعها على نشرها بالعديد من الصحف العربية.
ما زالت الغرفة تحوي بعض المقتنيات الخاصة التي كانت تستخدمها الشاعرة، لكن الغبار والزمن أكل عليها وشرب.
ولدت الشاعرة فدوى طوقان في مدينة نابلس سنة 1917، وتلقت التعليم الابتدائي في مدارس المدينة، وعاشت داخل البلدة القديمة.
وعانت قسوة الواقع الاجتماعي وتوالت النكبات في حياة فدوى طوقان، حيث توفي والدها، ثم توفي أخاها ومعلمها إبراهيم، أعقب ذلك احتلال فلسطين إبان نكبة 1948، فتركت تلك المآسي المتلاحقة أثرها على نفسية طوقان كما يتبين لنا من شعرها في ديوانها الأول "وحدي مع الأيام"، ولكنه، في نفس الوقت، دفع فدوى إلى المشاركة في الحياة السياسية خلال الخمسينيات.
وسافرت فدوى إلى لندن في بداية الستينيات من القرن الماضي، وأقامت هناك لمدة سنتين، وفتحت لها هذه الإقامة آفاقاً معرفية وإنسانية، حيث جعلتها على تماسٍّ مع منجزات الحضارة الأوروبيّة الحديثة.
وبعد نكسة 1967 خرجت الشاعرة من قوقعتها لتشارك في الحياة العامة بنابلس، فبدأت في حضور المؤتمرات واللقاءات والندوات التي كان يعقدها الشعراء الفلسطينيون البارزون، من أمثال: محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد وغيرهم.
وفي مساء السبت الثاني عشر من شهر كانون الأول من عام 2003 ودعت فدوى طوقان الدنيا عن عمر يناهز السادسة والثمانين عاماً قضتها مناضلة بكلماتها وأشعارها في سبيل حرية فلسطين، وكُتب على قبرها قصيدتها المشهورة : "كفاني أموت عليها وأدفن فيها، وتحت ثراها أذوب وأفنى، وأبعث عشباً على أرضها، وأبعث زهرة إليها تعبث بها كف طفل نمته بلادي، كفاني أظل بحضن بلادي تراباً، وعشباً، وزهرة...."
وتقول عنها الباحثة وداد السكاكيني: " لقد حملت فدوى طوقان رسالة الشعر النسوي في جيلنا المعاصر يمكنها من ذلك تضلعها في الفصحى وتمرسها بالبيان، وهي لا تردد شعراً مصنوعاً تفوح منه رائحة الترجمة والاقتباس وإن لها لأمداً بعيداً هي منطلقة نحوه، وقد انشق أمامها الطريق".
وكانت طوقان كرست حياتها للشعر والأدب، فأصدرت العديد من الدواوين والمؤلفات، وشغلت عدة مناصب جامعية، وكانت محور الكثير من الدراسات الأدبية العربية. إضافة إلى ذلك، حصلت فدوى طوقان على العديد من الأوسمة والجوائز منها جائزة الزيتونة الفضية الثقافية لحوض البحر البيض المتوسط باليرمو إيطاليا، وجائزة سلطان العويس، الإمارات العربية المتحدة 1989، ووسام القدس، من منظمة التحرير الفلسطينية، 1998، وجائزة المهرجان العالمي للكتابات المعاصرة، ساليرنو- إيطاليا وجوائز أخرى.
وكانت أصدرت الشاعرة عدة مجموعات شعرية، منها "وحدي مع الأيام"، "وجدتها"، "أعطني حباً"، "أمام الباب المغلق"، "الليل والفرسان"، "على قمة الدنيا وحيداً"، "تموز والشيء الآخر"، و"اللحن الأخير".
ومن آثارها النثرية، "أخي ابراهيم"، و"رحلة صعبة- رحلة جبلية" (سيرة ذاتية) ، و"الرحلة الأصعب" (سيرة ذاتية).