"أبو مازن" في القاهرة.. دلالات الزيارة وأهميتها
كتب: مصطفى بكري- (الوطن المصرية)
أمس، وصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى القاهرة.. الزيارة كانت سريعة، لكنها كسرت جدار الصمت، وأكدت الثوابت، وردت على الشائعات، وأوضحت حقيقة المواقف.
منذ عدة أسابيع والأسئلة الحائرة تتردد: ماذا حدث؟ هل هي القطيعة؟ أم هو البحث عن بديل بعينه؟ ولماذا هذا البديل تحديداً؟ وماذا تعني المؤتمرات والنداءات الفلسطينية على أرض القاهرة بعيداً عن القيادة الشرعية؟
هناك من قال إن هناك أزمة صامتة، وهناك من قال إن هناك توتراً وغضباً مكتوماً، دون أن يطرحوا أسباباً محددة لذلك، رافق ذلك اشتداد الحملات الإعلامية على الرئيس الفلسطيني، ولكن الموقف المصري الرسمي ظل على حاله، فالقاهرة لم تطلق عبارة واحدة يفهم منها أن هناك أزمة، بل إن تصريحات عدة صدرت عن وزير الخارجية المصري تؤكد دعم الموقف الفلسطيني بقيادة الرئيس «أبو مازن».
وإذا كان البعض قد زعم أن القاهرة تصنع بديلاً، أو تحدث انقلاباً صامتاً، نتيجة دعوات قد وُجهت لعناصر بعينها، فالأحداث تؤكد أن خيار القاهرة دوماً هو الشرعية التي يمثلها الرئيس الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهو موقف ثابت في كل العصور، بغض النظر عن تباين بعض المواقف أحياناً.
إن القاهرة لا يمكن أن تنسى للرئيس الفلسطيني مواقفه الداعمة لثورة الثلاثين من يونيو ودفاعه عن القيادة المصرية الجديدة في العديد من عواصم العالم، ولم لا وهو القائل «إن 30 يونيو معجزة حقيقية نجح خلالها الشعب المصري في تخليص بلاده من الظلامية، ولولاها لكانت الأمة العربية والإسلامية في مهب الريح».
وقد سعى أبو مازن في هذا الوقت إلى توضيح الصورة الحقيقية لما جرى في أعقاب الثورة وانحياز الجيش المصري إلى الشعب، وأكد لكل الأطراف التي التقاها أن ما حدث في مصر ثورة وليس انقلاباً كما تدعى جماعة الإخوان، وراح يكشف الصورة ويعدد الحقائق لكل من التقاهم في هذا الوقت.
وقد بلغ التنسيق أعلى مراحله بين الرئيسين عبدالفتاح السيسي ومحمود عباس في إطار الدفاع عن القضية الفلسطينية ومناقشة الحلول المطروحة، وكيفية حماية الشعب الفلسطيني والعمل على وقف بناء المستوطنات ودعم الحق الفلسطيني في انضمام دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة بصفة مراقب. وكان أبو مازن يتردد على القاهرة بين الحين والآخر، ويلتقي الصحفيين والإعلاميين متحدثاً عن الدور المصري الذى لن ينساه الشعب الفلسطيني في دعم القضية، ومواجهة التحديات التي تواجه الأمة العربية.
ولم يقتصر التنسيق المشترك على القيادتين بل امتد إلى جميع الأجهزة والمؤسسات المعنية بين البلدين. وعندما توقفت زيارات أبو مازن إلى القاهرة، وبدأت المعلومات تتردد عن احتضان مصر لمحمد دحلان، بدا أن هناك عتاباً مكتوماً، خاصة أن محمد دحلان يطرح نفسه كبديل للرئيس الفلسطيني بهدف إحداث انقلاب على الساحة الفلسطينية كما يردد البعض. ولقد سعت القاهرة إلى نفي هذه الشائعات، وقالت عبر المصادر الدبلوماسية إن دعوتها لعدد من كوادر فتح المقربين من دحلان، لا يعني أن الحكومة المصرية تسعى إلى الانقلاب على الرئيس الفلسطيني إلا أن ذلك ظل يمثل سحابة صيف بين الطرفين. ويحمد للقيادة الفلسطينية أنها التزمت الصمت، ولم تعلق علانية على أي من هذه الأحداث التي شهدتها العلاقة بين الطرفين، وحتى بعد ترحيل القاهرة لأمين سر حركة فتح «جبريل الرجوب» الذى كان مدعواً لحضور اجتماع رسمي في جامعة الدول العربية فإن ذلك أيضاً جرى التعامل معه بحكمة ودون أي محاولة للتصعيد من قبل الجانب الفلسطيني.
وفى الوقت الذى ترددت فيه معلومات عن أن القاهرة ترتب لمصالحة بين حماس وأنصار محمد دحلان في غزة كانت الحكومة المصرية تجرى اتصالات معلنة بالسلطة الفلسطينية.. كما التقى القيادي الفلسطيني عزام الأحمد بالعديد من القيادات المصرية أثناء زيارة له إلى القاهرة على هامش أعمال الاتحاد البرلماني العربي.
إن حكمة القيادتين ووعيهما بالتحديات التي تواجه الأمة في الوقت الراهن كانا الدافع الأساسي وراء تجاوز سحابة الصيف أو تباين وجهات النظر بين الطرفين في بعض القضايا وهو ما كان مجالاً لاتصالات ثنائية مهمة، تكللت بالقمة المصرية الفلسطينية التي سبقت قمة عمان العربية في نهاية الشهر الحالي.
إن التنسيق بين البلدين من الأهمية بمكان في الوقت الراهن خاصة أن هناك قمة قريبة ستعقد بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والأمريكي دونالد ترامب ستكون القضية الفلسطينية حاضرة على جدول الأعمال، ومن ثم فإن الجهة الوحيدة التي يمكن لمصر التنسيق معها هي القيادة الشرعية الفلسطينية ممثلة في الرئيس محمود عباس «أبو مازن». ويبقى الرهان على القمة التي ستعقد بين الرئيسين اليوم ومن المؤكد أنه سيتم مناقشة عدد من النقاط والتوافق حولها والسعي المشترك خلال المرحلة المقبلة لدى الجانب الأمريكي على وجه التحديد لدفعه إلى اتخاذ قرارات وإجراءات فعلية تفضى إلى حل الدولتين كسبيل لإنهاء الصراع بين الجانبين وبما يفضى إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس. وضرورة التوافق خلال القمة العربية في عمان على رؤية عربية واحدة إزاء حل القضية الفلسطينية يمكن للرئيس عبدالفتاح السيسي أن يضعها كبند مهم وأساسي على جدول أعماله خلال زيارته المرتقبة إلى الولايات المتحدة.