الأرض تضيق على أهلها
الحارث الحصني
في الثلاثين من آذار لعام 1976، أعلن الشعب الفلسطيني إضرابا شاملا بعد أن استولت قوات الاحتلال على آلاف الدونمات من أراضي الجليل المحتل وأقامت المستوطنات عليها. وبعد واحد وأربعين عاما على تلك الحادثة، ولا يزال الاحتلال يستولي على الآلاف من الدونمات من الأراضي الفلسطينية.
وبنظرة عامة على الشريط الشرقي في الضفة الغربية، يظهر كيف يخسر المواطنون أرضهم يوما بعد يوم، فمنذ بداية انتفاضة الاقصى عام 2000، أقام الاحتلال خندقين، في خربة عاطوف شرق بلدة طمون الواقعة جنوب مدينة طوباس، وقد عمل هذان الخندقان على حرمان المواطنين من الوصول إلى مساحات واسعة من أراضيهم.
"أمتلك أكثر من خمس وعشرين دونما شرق الخندق، ومنذ عام 2000 لليوم أحاول الوصول إليها، ولم أزرعها". قال محمد بشارات أحد سكان خربة عاطوف.
وعاطوف هي واحدة من القرى التي يشهد اهلها على سرقة الاراضي في تلك المنطقة. فمنذ العام 1967 خسر مواطنو المنطقة مساحات واسعة من اراضيهم بسبب تغول المعسكرات والمستوطنات الزراعية.
رئيس مجلس قروي عاطوف، بشار بني عودة، قال لــ"وفا"، إن الاحتلال يستولي بفعل خندقين أقامهما بداية انتفاضة الأقصى، على ما يقارب من 70% من أراضي عاطوف الزراعية الواصل مساحتها 100 ألف دونم تقريبا.
بالنسبة لبشارات يبقى الوصول إلى تلك الأراضي مرهونا بفتح الاحتلال لبوابة الخندق المقام.
يقول الرجل إن هذه البوابة تبعد عن بيته نصف كيلو متر تقريبا، لكن بسبب أن الاحتلال يبقي عليها مغلقة، إلا في حالات التدريبات، فإن الوصول إليها يتطلب سلوك طرق التفافية لا تقل عن 40 كيلو متر.
"حتى لو قطعنا الأربعين كيلو فأنا لم أصلها منذ عام 2000، وأكتفي بالوقوف قريبا منها"، أضاف.
"هذا الأمر يعاني منه مربو الأغنام في الأغوار أيضا".
على امتداد هذه المناطق الواسعة من الضفة الغربية يندر مقابلة مواطن فلسطيني لا يشكو من نهب الاحتلال لأرضه.
صالح أبو عامر الذي يسكن في الأغوار الشمالية، يقول إنه في كثير من الأوقات لا يستطيع الوصول لأراضٍ يسعى الوصول إليها لأسباب كثيرة.
" نعتبر أن كل الأراضي ممنوع الوصول إليها، نتفاجأ بوجود الاحتلال للتدريبات أو مستوطنيه فيها فيطردونا منها"، قال أبو عامر.
وقد أعلن الاحتلال يوم الأحد من هذا الاسبوع عن نيته اجراء تدريبات عسكرية في مناطق عديدة من الضفة الغربية تنتهي يوم الخميس من الاسبوع ذاته.
وهذا بحد ذاته سرقة مؤقته للأرضي وقد تصبح في يوم من الايام دائمة.
وكانت أصوات إطلاق نار كثيف سُمعت في أماكن اتخذتها دبابات الاحتلال مرابض لها في التدريبات.
وشوهد على قمم الجبال وبطونها في المناطق التي تشهد تدريبات عسكرية في الأغوار، العديد من رعاة الأغنام الذين يتقدمون أمتارا بأغنامهم ثم يرجعون.
ويبين منظر عشرات الصحفيين الذي يحاولون الوصول إلى أراض أقام عليها مستوطن عريشة قبل شهور، أن سياسة الاحتلال في الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي آخذة بالتزايد.
مربو ماشية قالوا بأحاديث منفصلة، رغم اتساع الأراضي في الأغوار لكن في كثير من الأوقات لم نستطع الوصول إليها؛ بسبب الاحتلال او المستوطنين.
لكن، رغم أن هذه المنطقة التي تشتهر بأراضيها الواسعة المزروعة بالمحاصيل البعلية والمروية، تبقى أماكن اعتاد الاحتلال أن يتخذها مرقدا لقواته باستمرار، فيمنع المواطنين منها.
وتسعى اسرائيل الى الإبقاء على منطقة الأغوار تحت سيطرتها الدائمة ضمن أي اتفاق قادم قد يفضي الى اقامة دولة فلسطينية، ولا يرى الفلسطينيون أي احتمال لإقامة الدولة بدون هذه المنطقة الحيوية.
قبل أيام نشرت صحيفة "إسرائيل اليوم" تقريرا أجراه مركز القدس للشؤون العامة، يبن أن 81% من المستطلعة آراؤهم من الاسرائيليين قالوا في أي حل سياسي، يجب أن تكون منطقة الأغوار تحت السيطرة الإسرائيلية، و8% فقط قالوا أن ليس لهذا الموضوع أهمية كبيرة، 79% قالوا أنهم لا يثقون بأية قوة دولية قد تنشر في منطقة الأغوار لحفظ الأمن.
وعمليا لم يتبق الكثير للفلسطينيين في هذه المنطقة ليستغلوه في اعمالهم اليومية.
يقول مدير مديرية زراعة طوباس، المهندس مجدي عودة، إن الاحتلال يسيطر على ما نسبته 80% من أراضي محافظة طوباس والأغوار الشمالية.
" هناك ما يقارب 50 ألف دونم لأرضي مزروعة بالمحاصيل المروية، و أكثر من 150 ألف دونما مناطق رعوية منها ما يتراوح ما بين 100-120 ألف دونما قابل للرعي" على حد قول عودة.
ورغم أن الأغوار الشمالية واحدة من أكبر المناطق المفتوحة في الضفة الغربية، إلا أن سياسة الاحتلال ومستوطنيه على مدار أعوام، تعمل على تحويل تلك المساحات الواسعة من دفة المواطن الفلسطيني للاحتلال.
ha