العراء مأوى أصحاب الأرض
عُلا موقدي
ماذا يبقى من الانسان حين يجد العراء مأواه الوحيد؟ كيف يعبر عن ملامحه وهو يرى أغطيته وفراشه وطعام أطفاله وملابس عائلته باتت مثله تبحث عن حجر تستريح فوقه؟
لم يجد محمد شحيبر (27 عاما) سوى البكاء، حين اتصلنا به لنسأله عن ماهية الهدم، الذي طال خيام عائلته، وحظائر أغنامه ورزقه، في المنطقة المسماة أبو الرعيش، والواقعة بين أراضي قرى (دير بلوط واللبن الغربي ورنتيس)، إلى الغرب من سلفيت والشمال من رام الله.
جرافتان وقوة عسكرية قدرت بأكثر من 50 جنديا داهمت أبو الرعيش في الساعات الأولى من صباح يوم أمس الأربعاء، لتهدم وتقتلع عائلة شحيبر التي تسكن منطقة سلفيت منذ خمسين عاما، حيث تنقلت في عدة خرب وجبال في قرى المحافظة، بعد هدم أمكنتها.
واستقرت العائلة المكونة من 12 نفرا، وتعود أصولها إلى بلدة السموع في الخليل، منذ أربعة أعوام المنطقة، معتمدة في معيشتها على تربية الحيوانات.
الطفلة ميرا شحيبر (6 سنوات) تقول: "هدموا غرفتي، وبدي أنام تحت الزيتونة، لأنه لم يعد عندي غرفة، ملابسي اتسخت، وقتلوا طير الحمام الذي كنت أطعمه".
دجاج مذبوح، وريح توزع ملابس الأطفال على الأرض، وبين خيمة وأخرى لم يسلم سوى حبل غسيل بملاقطه التي لا تجد ما يُعلق عليها، إلا الحسرة.
شحيبر قال لـ"وفا": هدمت آمالنا في أقل من ساعة واحدة، منذ اليوم الأول في حياتي، ونحن نتنقل مع خيامنا بين جبال دير بلوط، ورنتيس، واللبن الغربية، وقوات الاحتلال في كل مكان نستقر فيه تسلمنا اخطارات هدم، ففي العام 2006 كنا نسكن في دير دقلة، فهدم الاحتلال خيامنا، وقام ببناء جدار الفصل العنصري مكانها، وانتقلنا إلى ابو الرعيش، ورحل والدي الى الخليل، لتدهور وضعه الصحي، وبقينا نحن الأبناء نزرع الأرض، ونرعى الأغنام.
ويضيف: أمهلتنا قوات الاحتلال أسبوعا واحدا لإزالة ما تبقى من خيام، وحظائر للأغنام في المنطقة، ولكن قد تكون هذه المهلة غير حقيقية، فقد استلمنا الاخطارات مع بداية الأسبوع، ولم نتمكن أنا وأخي من ايجاد مكان آخر للانتقال اليه، والهدم تم بعد ثلاثة أيام فقط من تسلمنا الاخطارات.
"هذا المكان كان ملجأنا الأخير بعد المطاردات المستمرة لحياتنا، وحياة أطفالنا، ونسائنا، ورزقنا، من قبل الاحتلال الذي لا يرى الأطفال، والنساء، والحاجيات التي تكومت فوق بعضها، قرب الخيام المحطمة" يقول شحيبر.
تعيش عائلة شحيبر حياة بدائية بسيطة، بعيدة عن خدمات الماء والكهرباء والتكنولوجيا الحديثة، فهي ترتبط بالأرض بشكل أولي وأساسي، وتحصل على الماء من خلال خزانات متنقلة يتم تعبئتها كل فترة، وبينت العائلة أنها لجأت مرارا وتكرارا الى المؤسسات المعنية، وطالبتها بتقديم المساعدة لكن دون جدوى.
رئيس بلدية دير بلوط كمال موسى قال لـ"وفا"، إن وجود هذه العائلة في أبو الرعيش هو أداة قوية في الوقوف بوجه الاحتلال، ومحاولاته المستمرة في السيطرة على الأرض، فهي منطقة أثرية مميزة، وذات طبيعة الجميلة والخلابة.