سلاما أحمد دحبور
كتب: رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة
رحل الحادي والمغني والراوي، رحل العارف بشؤون الورد الذي لا يجرح، وشؤون الحلم في دروب الوطن، وشؤون الروح في براري الحب، رحل الشاعر الفلسطيني الكبير أحمد دحبور، بعد واحد وسبعين عاما، ظل فيها هو الولد الفلسطيني الذي راح يروي حكايته، وهو يطل "بطائر الوحدات" على "سهول القش والطين" والذي ابكاه "الدم المهدور في غير الميادين".. رحل الذي هجر من حيفا يوم ميلاده، فعاد اليها من المخيم بعد أن رأى في الثورة طريقه الى فلسطين، وبعد ان مشى على الماء دهرا من الحنين، وعاد اليها طائرا سائحا مذبوحا يطلب قاتله وهو يشدو، رحل الذي رأى "النوق في واد الغضا تذبح".. رحل الولد الرجل الذي رأى "الفارس العربي يسأل كسرة خبز من طحين ولا ينجح" ..!!
هو آخر الشعراء الكبار الذين جعلوا من القصيدة في المسيرة والسيرة الفلسطينية الملحمية، دلالة وجود وحياة وصمود وتحدٍ، وبلاغ حلم وأمل، ولطالما كان يمضي الى فلسطين من جهة القلب، فسمى نجله يسارا، وظل يمضي من هذه الجهة من حمص، الى بيروت، الى تونس، الى غزة، ثم رام الله، وصعودا لا ينقطع الى حيفا، حيث البداية والرواية، والارومة بسرو كرملها الذي يصل الرحم، ويقري الكلمات الأمينات.
لا نص بوسعه الآن ان يودع الراحل الكبير، لا رثاء، وقد علمنا حادثة التراب الموجعة ان ليس بوسعها النيل من القصيدة وصاحبها، يغيب بين طياتها، ليحضر في بيوت الذاكرة الفلسطينية حيا بما قال ليظل هو الذي يقول.
لكنا هنا في "الحياة الجديدة" سنحزن على نحو استثنائي لرحيل الولد الرجل الفلسطيني، لأن أحمد دحبور كان زميلا لنا، وكان يضيء لنا صفحة الأربعاء بما يتيسر من نصه الابداعي، فكان عدد الأربعاء "حبيب" قراء الأدب الباحثين عن دروبه الوافرة بحسن الكلمة ونباهة المعنى.
نحزن والقلب ينوح، ولكننا لن نقول وداعا لشاعرنا الجميل، فلا وداع للقصيدة وقد باتت تاريخا ومنجزا ورواية، سلاما أيها الراحل العزيز، نم قرير العين فنحن ما زلنا "الصاعدون" أبدا نحو بلاغة الحرية وحياتها، الصاعدون الى اكتمالها، كما أحببت وكتبت وسعيت في دروبها، سلاما أبا يسار، لنا ضريحك الآن مزار وأيقونة أخرى لخطاب فلسطين الابداعي.. خطاب الحق والعدل والجمال.