قرابين على الجبل المقدس
زهران معالي
على مدار ثلاث ساعات، استمر اسحاق حسني الكاهن برفقة شبان سامريين بوضع أغصان من شجر السرير في حفر كبيرة لرفع حرارتها، استعدادا لوضع 53 قربانا (خاروفا) فيها؛ احتفالا بعيد الفسح الذي يتذكرون فيه عبور النبي موسى البحر مع بني إسرائيل هربا من ظلم فرعون.
على قمة كتف نابلس الجنوبي جبل جرزيم المقدس، حيث احتفل أبناء الطائفة السامرية بعيد الفسح، تحلق السامريون خلف الكاهن الأكبر عبدالله واصف، مرددين تراتيل توراتية دينية وسفر الخروج وأيديهم مفتوحة للسماء، وآخرون تجمعوا حول خندق تجز عنده أعناق الخراف بأنصال حادة، يحرم على غير السامري الوقوف فيه، ويتمسك السامريون بالحفاظ عليه طاهرا وفق دينهم.
ويقف السامريون حول الكاهن الأكبر، الذي أعلن لحظة الذبح وردد سورا من التوراة تجسد لحظات الخروج من مصر، خلال سبع ساعات، في احتفال سنوي قرب المكان الذي يعتقدون أن النبي إبراهيم قدم فيه ابنه "اسحق" قربانا للخالق.
أخضر وأحمر وأبيض، ثلاثة ألوان ارتداها الكهنة خلال المراسم، فيما طغى اللون الأبيض على أبناء الطائفة وبينهم أطفال في مهدهم، وعجائز لا يقوون على المشي تم نقلهم عبر عربات خاصة؛ "حتى يشعر الجميع أنه يتساوى مع غيره فلا يتميز أحد عن الآخر، فيما ارتدت النساء الملابس الفضفاضة"، وفق اسحاق.
لاحقا شابت تلك الجلابيب التي يرتديها أبناء الطائفة بدماء الخراف التي ذبحت ووضعت في حفر مشتعلة، فيما تلطخت جباههم بالدماء التي سالت من القرابين لتخليد الذكرى الأليمة.
ويجتمع المحتفلون حول التنانير وقبيل منتصف الليل ينتظرون إيذانا من الكاهن الأكبر الذي يشرع بصلاة قصيرة، وبانتهائها تفتح التنانير بسرعة فائقة، ويتناول الشباب الذبائح المشوية، ويتجمعون حولها مرنمين أنشودة يرقص المصلون على إيقاع نغماتها، المستهلة بالقول: مبارك بيت يعقوب الذي نفض عنه نير العبودية وخرج من مصر.
ويأكل السامريون جزءا من قرابينهم على عجل، واقفين على أقدامهم مرتدين أحزمة مشدودة وعصيهم بأيدهم ونعالهم بأرجهلم، كهيئة وميقات بني إسرائيل من مصر، ويلوكون فطيرا غير مختمر وعشبة مرة، تذكرهم "بمرارة الخروج"، كما تحدث الكاهن عزيز.
ويوضح الكاهن عزيز، إن ذلك عبرة لخروج بني إسرائيل مسرعين عند فرارهم مع موسى من وجه فرعون، لذلك لم يكن لديهم وقت للعجين حتى يخمر.
ويضيف عزيز "بعد تناول القرابين، يجمع السامريون ما تبقى في منازلهم من اللحمة المشوية ويعودون بها إلى المذبح ويلقونها بالنار، ويسهرون طيلة الليل مشرفين على احراق المتبقي حتى التيقن من إفراغ المهمة تماما".
ويشير إلى أنه في صباح آخر يوم في العيد الذي يستمر لسبعة أيام، يتوجه السامريون لقمة جبل جرزيم بصلاة حجيج خاصة، تبدأ بعد منتصف الليل ببضع ساعات، وتنتهي في العاشرة صباحا.
وما يميز احتفالات السامريين بأعيادهم، اجتماع السياح من العالم مسلمين ومسيحيين ويهود على قمة الجبل.
ويحتفل السامريون بأعياد التوراة فقط وهي موسمية، وعددها سبعة هي: عيد الفسح، وعيد الفطير (العجين غير المختمر)، وعيد الحصاد، وعيد رأس السنة العبرية، وعيد الغفران، وعيد العرش "المظال"، والعيد الثامن أو فرحة التوراة.
وفي هذه الأعياد يحج السامريون إلى جبلهم المقدس ثلاث مرات سنويا، أثناء عيد الفسح وعيد الحصاد وعيد العرش.
وفي اليوم السابع من الفسح يحتفلون بعيد الصعود إلى الجبل وهو عيد الحج، وخلال تلك الأيام لا يأكلون أي طعاما مختمرا.
وترتكز الديانة السامرية على خمسة أركان أساسية هي: وحدانية الله الواحد الأحد، ونبوة موسى بن عمران، والتوراة (خمسة أسفار موسى)، وقدسية جبل جرزيم، قبلة السامريين ومأوى أفئدتهم، واليوم الآخر يوم الحساب والعقاب.