صالح يكتب لـ"سماح"
يامن نوباني
نيسان 2016، المنزل، تُجهز الأم مع ولدها أشياءه في حقيبة سفر، تمسك يديه كما لو أنها لا تريد إفلاتها، فهي تعرف جيدا قسوة رحلته. تضيف مزيدا من الملابس والأغطية، وبين قطعة ملابس وأخرى تضعها، تقبله.
سماح اشتي، لا تودع ابنها "صالح" إلى سفر للعمل أو السياحة في الخارج، بل تودعه إلى السجن، بعد أن أمضى تسعة أشهر في الحبس المنزلي. سجن على بعد مدينة قريبة، فالمسافة بين الرملة والقدس 45 كيلومترا، والمسافة بين سماح وابنها صالح 3 سنوات بقياس الاحتلال والحرمان والظلم، تترك قطعا من ملابسه بلا غسيل، لتحتفظ برائحته.
حجارة صغيرة لم تقتل أحدا، ولم تؤذ معدن الجيبات المصفحة، لم يستطع صالح وأبناء جيله ألا يرشقوها في وجه الاحتلال، وألا يتعرضوا للحبس كما فعلها أكثر من مليون فلسطيني منذ العام 1967.
اعتقل صالح أشرف اشتي (17 عاما) من بلدة بيت حنينا في القدس المحتلة، في حزيران 2015 مع ثمانية من رفاقه بحجة إلقاء الحجارة على جنود الاحتلال في مخيم شعفاط.
تسعة فتية تراوحت أعمارهم بين الرابعة عشرة والسابعة عشرة، اقتيدوا الى معتقل المسكوبية ليتم التحقيق معهم بشكلٍ عنيف. بعد مرور أسابيع سيتم اطلاق سراحهم وتحويلهم الى الحبس المنزلي لتسعة أشهر، قبل أن تحكم المحكمة المركزية الاحتلالية عليهم بالحبس لفترات ما بين 10–39 شهرا، بعد تخفيض محكوميتهم لعدة أشهر. والفتية هم: صالح اشتي، وعمر تايه، ومحمد جابر، ومراد علقم، وعمر راني، وزيد الطويل، ويزن أيوب.
قريبته جنان قالت لـ"وفا": هذه القضية كانت من أصعب قضايا اعتقال الأطفال في القدس، نظرا للاتهامات الخطيرة التي كانت موجهة لهم، أبرزها أنهم أعضاء في منظمة ارهابية في منطقة بيت حنينا، وحيازة معلومات مهمة، وفي وقت سابق قدمت القناة الاسرائيلية الثانية تقريرا يُدين صالح ورفاقه، واعتبرتهم خطرا يهدد أمن اسرائيل.
أشرف اشتي، والد صالح، يقول: هذه ضريبة على كل فلسطيني ان يدفعها، فأنا تعرضت للاعتقال قبل صالح لمدة اربع سنوات ونصف.
في نيسان 2016 دخل صالح مع باقي رفاقه السجن، بعيدين عن الأهل والتعليم والصحة والأصحاب والدفء والحرية، يمضون أعيادا وسنوات خلف القضبان، بدأ صالح بالتأقلم مع وضعه واستخدام كل السبل المتاحة للوصول إلى خارج الأسلاك الشائكة، وبدأ بكتابة رسائله الأولى إلى والدته سماح.
خط لا يفككه إلا الأمهات، بالقلب لا بالعين، متعرج، لكنه يعرف طريقه، ويصل مباشرة. وهذه بعض مقاطع رسائله: "أمي يا عيوني، نفسي أشوفك كل يوم، جعان يا امي ونفسي أوكل من تحت ايديكِ".
"آخرتي معكم"، "اخوتي: شيماء، تالا، أحمد، سيدرا، والله مشتاقلكم"، "تالا أنا جبتلك سنسال".
معلقة على رسائله، تقول جنان: في كل مرة بِنهدّ حيلي وأنا أقرأ كلمات صالح ومعانيها.
لا تجد جنان إلا حسابها الشخصي على فيسبوك لتشارك صالح عيد ميلاده الأول خلف القضبان، فتكتب له: حبيبي صالح ..
اليوم عيد ميلادك، بتذكّر لما حكيتلي جيبيلي هدية وبجيبلك هدية، وقعدنا نحسب اذا وقت عيدَك بتكون معنا ولا لأ.. ووصلنا انو لأ، قلتلي خلص وعد بس أطلع أحلى هدية الك.
طب خلص بديش هدية، بس اطلع ..
آخر مرّة شُفتك فيها كنت أحفظ ملامح وجهك، وشَعرك، وأخزّن صوتك بعقلي خوف أنساه..
تتذكّر الحديث الطويل اللي بآخروا شو حكيتلي فيه؟ قُلتلي "مش هاممني اشي بس أهلي ميزعلوش".
مرَق 9 أشهر و15 يوم ع هداك اليوم، ياه كيف الوقت بِمشي ..
بعرف كل يوم بتتغير ملامحك، بشرِتك، صوتَك، ضحكتك وهيكلَك.. بس بعرف انو قلبك الصّافي وعيونك الصغار بعمرهم مَ رح يتغيروا
نيّال خيوط الشّمس اللي بتفوت لقلب الغُرفة اللي قاعد فيها وبتشوفك
صِرت 17 سنة يا حبيبي كُل عام وأنت بخير
خلّيك قوي، وضلّك منيح ..
بُكرة بموت السّجن والسّجان وبتحيا انتَ
1/2/2017
وتكتب، أحدهم يقول: "عند خروج ابني من السّجن، أصبح ينام، ويأكل، ويتحدّث
وباب الغرفة مفتوح، كان إغلاق الباب جحيمه".