أوان الحسم
كتب: رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة
آن الأوان لكي نقول وعلى نحو حاسم ان عشر سنوات من الانقسام القبيح، لم تعد محتملة، ولا بأي حال من الأحوال، وإن حوارات المصالحة الوطنية التي دارت طوال السنوات العشر الماضية، لم يعد ممكنا مواصلتها، بعد ان ثبت ان حركة حماس لم تكن تتعامل مع هذه الحوارات إلا من باب المراوغة والتلاعب بالنوايا، لعل مشروع الامارة الاخواني، أو الدويلة المؤقتة، يحظى بتحققه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وعلى مختلف الصعد المحلية والاقليمية والدولية، طعنا بالمشروع الوطني التحرري وتدميرا له ..!!
عشر سنوات جعلتها حركة حماس مضيعة للوقت، وعلى حساب الحياة اليومية لأهلنا في القطاع المكلوم، لم تبال يوما بهذه الحياة ان تستند الى أبسط قدر من منظومات الأمن والأمان الاجتماعي والاقتصادي، ناهيك عن السياسي والحزبي، بل انها اطاحت بكل هذه المنظومات، ما جعل حروب القلق والاحباط ممكنة هناك والتي دفعت بالعديد من الشبان الى الانتحار مع الحزن الشديد. وعشر سنوات لم يقل احد من الذين يتاجرون اليوم بمعاناة غزة ان الانقسام الى جانب حصارات الاحتلال هو السبب الرئيسي لهذه المعاناة وانه الكارثة الكبرى بعد كارثة النكبة التي حلت بشعبنا وقضيتنا المقدسة في التاريخ الراهن.
عشر سنوات وما زال الناطقون الحمساويون الذين يضعون صفة "الاستاذ" أمام أسمائهم (..!!) وقد اصطفوا الى جانب الخارجين عن الصف الوطني، وهم أكثر خروجا بالمناسبة، ما زالوا مع هؤلاء يكررون الافتراءات والأكاذيب والاتهامات ذاتها، ضد الشرعية الوطنية والدستورية الفلسطينية، ينسبون الى حركتهم وحكمهم كل ما هو "خير" يقولون انهم قد حققوه لغزة وأهلها، دون ان يكون لهذا الخير أية تجليات مادية على الأرض، فلا تنمية تحققت ولا ازدهار قد حصل بأي اتجاه كان..!!
والسؤال الواقعي الذي يطرح صيغته بقوة: أي خير هو هذا الذي استجلب بشعاراته الطنانة واوهامه الكبرى، ثلاث حروب تدميرية شنها الاحتلال الاسرائيلي على القطاع الذي ما زال يرجو إعادة إعمار شاملة...!! أي خير هو هذا الذي ازدهر فيه أمراء الأنفاق، والذين جعلوها دروبا لاحتكار التجارة الحرام، حتى باتوا من أصحاب الملايين ، ليعززوا مكانتهم كأصحاب سلطة هناك ..!!
وأي خير هو هذا الذي فرض المزيد من الضرائب غير القانونية والتي يمكن وصفها بالخوات، على أهلنا في القطاع المحاصر، من أجل ان تتخم خزينة الانقسام بالمزيد من الأموال تعزيزا لسلطة القمع والعسف الانقلابية، أي خير هو هذا حقا، والذي لا نراه سوى خطاب شعبوي، لا يراكم غير ضنك العيش بالمزيد من الأزمات والمعضلات..!!
وبقدر ما ينسب هؤلاء الناطقون لحركتهم وحكمهم "الخير" الذي لا خير فيه، فإنهم يرمون السلطة الوطنية بكل "الشر" ويضعون على كاهلها مسؤولية الضائقة الكبرى التي يعيشها قطاع غزة اليوم، عشر سنوات من تلاعب حماس بحوارات المصالحة الوطنية، وعدم احترام كل ما اتفق عليه، ليس هو المسؤول عن كل ما تعانيه غزة، بل السلطة وقيادتها وحكومة الوفاق ..!! وبالأمس قطعوا الكهرباء عن كل القطاع بذريعة دعم الموظفين ومساندتهم برفض الاستقطاعات من الرواتب، التي قالت الحكومة انها استقطاعات مؤقتة، ولا أحد يمكن ان يفهم كيف يمكن ان يكون هذا القطع، داعما ومساندا في هذا السياق، وهو الذي من شأنه ان يفاقم من معاناة أهلنا هناك وجعل حياتهم اليومية أصعب وأصعب، ثم أي سلطة هي هذه، سلطة حماس التي تريد حل الأزمات عن طريق مفاقمتها وتعقيدها أكثر وأكثر..؟؟ وما من حل سوى العودة الى الوحدة الوطنية الحقة، بإنهاء الانقسام والذهاب الى انتخابات رئاسية وتشريعية.
نعم آن أوان الحسم، وما من حل سوى حل الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، والامتثال لإرادة الشرعية الوطنية والدستورية، وعلى حركة حماس ان تدرك ان فرصتها اليوم في هذا الاطار هي الفرصة الأخيرة، فإما ان تعود الى الرشد الوطني، أو ان تتحمل كامل المسؤولية عما يجري في غزة، وإلا فإن براقش لن تجني إلا على نفسها، وعلى ناطقيها "التلاميذ" غير المجتهدين ان يعرفوا جيدا، سواء اغتنمت حركتهم هذه الفرصة أم لا، فإنهم لا محالة سيقفون يوما أمام محاكم التاريخ الاخلاقية، لأن الكلمة كلما كانت طيبة، كانت صدقة، وكلما كانت نصوحة كانت من كلام التقوى والايمان الحق، وفي التنزيل الحكيم، الأمر في غاية الوضوح بضرورة الكلمة الطيبة التي هي القول السديد والميسور، والقول الحسن، والقول الكريم، والقول اللين، أما الكلمة التي تواصلون، فإنها كلمة الغل والضغينة والكذب والافتراء، الكلمة التي تحرض على الفرقة والاقتتال، الكلمة التي تقسم وتشرذم، وهذه هي الكلمة السيئة التي اخرجت ابليس من الجنة كما يعرف المؤمنون والتي لا تذهب إلا بأصحابها الى أسفل السافلين، ولا يمكن تاليا لمحاكم التاريخ الأخلاقية ان تتجاهلها طال الزمن أم قصر.