"كشك ثقافي"
عُلا موقدي
كما يحلم الناس بقطعة أرض وسيارة ومنزل أوسع، تحلم بمكتبة أيضاً، ويحلم البعض بمكتبة مختلفة الشكل والمضمون، تشد المهتمين بعالم القراءة والمعرفة، وتوفر لهم مساحة أكبر للإلتقاء بالآداب والعلوم والفكر والفلسفة والأديان والخيال العلمي، وتأخذهم في سفر.
الطالبة في الصف العاشر الأساسي في مدرسة بنات سلفيت شهد الحلبي، تقول: أحب القراءة وتعلم أشياء جديدة غير المنهاج والكتب المدرسية، لكن مكتبة البلدية غالباً ما تفتح في أوقات دوامي المدرسي من الساعة التاسعة وحتى الثانية ظهراً، ولا أستطيع الاستفادة منها.
وتضيف: دائماً ما كنت أتمنى أن أرى بسطة كتب واحدة في طريقي كما هو الحال في رام الله وغيرها، فوجود بسطات للكتب داخل المدينة يضيف جواً أدبياً مميزاً، ويمكننا من الحصول على كتب نادرة قد لا تتوفر في المكتبات العامة، وزيادة التنافس من قبل المكتبات وتقديم العروض التي تؤدي لانخفاض أسعار الكتب.
يرى الكثير من المتابعين للحياة العامة في محافظة سلفيت إنها دون المستوى في مجالات عدة، مقارنة ببعض التطورات السريعة التي تحصل في باقي محافظات الوطن، فهي تفتقر للمكتبات الشعبية، والمحال التراثية، وضعف السياحة الداخلية والخارجية لها، فقد فرض الاحتلال القيود على المناطق الهامة فيها، وحاصر الأراضي الزراعية، ما أثّر بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي، إضافة إلى عدة مشاريع هامة وجاذبة على المستوى المحلي التي لم تنفذ حتى الآن من قبل الجهات الرسمية أو القطاع الخاص أو بالشراكة بينهما.
مع بداية العام 2017، بدأت مجموعة شبابية تضم عددا من موظفي محافظة سلفيت وطلبة جامعة القدس المفتوحة والمؤسسات المحلية، بتنفيذ مبادرة "كشك ثقافي"، والتي تعتبر الأولى من نوعها في المحافظة، ونتجت عن الحاجة الملحة لرفع مستوى القراءة لكافة الفئات العمرية.
يقول المنسق العام للمجموعة الشبابية رامي سليمة: بعد أن شاركنا في دورة "إعداد القيادات الشابة" في دار المحافظة لمدة خمسة أيام، طُلب منا اقتراح مبادرات نوعية تشكّل احتياجا حقيقيا للمحافظة وتخدم أكبر عدد ممكن من الأفراد، فاقترحنا عددا من المبادرات، بعد دراسة المبادرات من قبل لجنة تحكيم متخصصة، تم اختيار مبادرة "كشك ثقافي".
ويضيف: اهتمت المبادرة ببث الحياة في الشارع الذي وضع فيه "الكشك"، وتم اختيار الموقع بجانب سارية العلم في مدينة سلفيت بحيث يكون قريبا من مركز المدينة ويسهل الوصول إليه، وبحثنا عن حافلة صغيرة قديمة، وقمنا بطلائها والرسم عليها بألوان جاذبة للمارة، كما وفرت بلدية سلفيت المكان والتمديدات الكهربائية والتجهيزات اللوجستية، وساهم مكتب وزارة الثقافة في المحافظة بتوفير الكتب اللازمة، وحصلنا على مساندة محافظ سلفيت وعدد من المؤسسات المحلية.
ويقول سليمة إن الكشك سيقدم العديد من الفعاليات الثقافية، والخدمات المكتبية لطلبة الجامعات والمدارس، وسيتم صنع المقاعد يدوياً من "صناديق خشبية"، وتم اختيار الاسم "كشك"، دلالة على البساطة.
من جهتها، عبرت مديرة مكتب الثقافة في محافظة سلفيت ابتسام الرابي، عن تشجيعها للفكرة، لأنها تخدم القراءة بشكل كبير وتشجع عليها، واعتبرتها جهدا متميزا ويستحق الدعم والمتابعة، فهي تساهم بشكل كبير بالإتجاه نحو القراءة بطريقة مختلفة عن المعتاد.
تقول الرابي: تعكس هذه المبادرة اهتمام الشباب بالقراءة وأهميتها لصقل الشخصية الثقافية للشباب، فاختيار الموقع على طريق المدارس وطلبة جامعة القدس المفتوحة، وإعادة استخدام الحافلة وتجميلها، وخلق فرصة عمل لشاب في هذا الكشك، يعني أن الشباب على درجه عالية من الوعي والقدرة على الإسهام في حل مشاكلهم وتقديم الحلول الخلاقة التي يجب أن يتم دعمها والوقوف الى جانبهم وإسنادهم والرهان الحقيقي عليهم .
مدير عام دائرة التخطيط في محافظة سلفيت نصرة عزريل، قالت لـ"وفا": قمنا بعمل خطة تنموية استراتيجية للمحافظة بدأت في العام 2013 وتنتهي في عام 2022، تم التركيز فيها على مجالات الاقتصاد، والزراعة، والتعليم، والصحة، والتخطيط، والدفاع المدني، والأمن، والطرق، ومياه الصرف الصحي، والمرأة، ويعتبر قطاعا الطرق والتعليم من أكثر القطاعات التي نفذت المشاريع فيهما حتى هذه اللحظة.
وتضيف: إلا أن المحافظة بحاجة الى مشاريع نوعية تنموية جديدة منافسة على مستوى الوطن، مثل إنشاء مناطق صناعية كبيرة كما هو الحال في أريحا وجنين، أو فتح مستشفى تخصصي متميز لاستقطاب أكبر عدد من السكان والنهوض بالمحافظة اقتصادياً.
وتتابع: من الضروري زيادة أعداد السكان، من خلال ضم بعض القرى القريبة لمحافظة سلفيت، حيث كانت منطقة سلفيت تضم 29 تجمعا سكانيا تقلصت الى 19، حيث وزعت عشر قرى على المحافظات المجاورة، فعدد السكان يصل الى 70 ألف مواطن، وهي عدد يقارب عدد المستوطنين البالغ نحو50 ألفا، وهذا يشكل خطرا في المستقبل.
وطالبت عزريل بضم القرى القريبة من المحافظة مثل قريتي عمورية واللبن الشرقية، لتصبح تابعة لسلفيت وذلك لتعزيز مركزية المحافظة لتقدم خدمات أفضل، فرفع الكثافة السكانية يحتم على المحافظة ويشجع القطاع الخاص على عمل مشاريع نوعية تلبي احتياجات المواطنين ولا تقتصر فقط على مشاريع البنية التحتية التي لا تعمل نقلة نوعية في مجال الاقتصاد وحل مشكلة البطالة.
ويعتبر تطوير المرافق السياحية في المحافظة أمراً ملحاً وضروريا، فوجود نقص في الحدائق العامة والأماكن الترفيهية، تجبر السكان على الذهاب الى المحافظات الأخرى، علما أنه بعد خطة عمل دراسة المشاريع تبين أن من أكثر المشاريع التي قد تنجح بنسبة كبيرةً في المحافظة، هي انشاء مدينة ملاهي وحدائق عامة ومناطق ترفيهية، وحدائق مائية تعتمد على وفرة العيون في المحافظة، ومتاحف وحدائق تراثية كون المحافظة غنية بالمقامات الدينية والخرب والمناطق المهمة، ورغم ذلك إلا أنه ما زال هناك تخوف من المغامرة في تنفيذ المشاريع من قبل القطاع الخاص، مع العلم أن الهيئات المحلية على جاهزية لتسهيل تنفيذ المشاريع والعمل على إنشاء البنية التحتية لها وتوفير الخدمات الأساسية، كالطرق والماء والكهرباء.
وتقع مدينة سلفيت وسط الضفة الغربية بين محافظات نابلس ورام الله وقلقيلية، ويتبع لها 19 قرية، كما يصل عدد سكانها بحسب الإحصائيات إلى نحو 70 ألف نسمة.