يوم من عام 1987
زهران معالي
فوق تجمعات للمياه على أرضية خان التجار بالبلدة القديمة في نابلس، يزقزق عصفور الدوري ويتنقل بحرية، يحلق على طول الخان وعرضه، في حالة نادرة في المكان الذي يشهد حركة نشطة طوال النهار، بعد أن أغلقت أبواب محلاته بالأقفال وخلا من المتسوقين؛ تضامنا مع من سُلبت حريتهم خلف قضبان سجون الاحتلال.
مشهد الإضراب هذا الذي دعت له اللجنة الوطنية لإسناد إضراب الأسرى، أعاد للأذهان الإضرابات التي استخدمها الفلسطينيون؛ كوسيلة للاحتجاج على السياسات الإسرائيلية التعسفية بحقهم خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى والتي انطلقت عام 1987.
ليس خان التجار الوحيد الذي أغلقت أبواب محلاته، بل عم الإضراب الشامل جميع أركان المدينة، فلا حركة للمركبات والساعين لرزقهم ومدارسهم وجامعاتهم، ولا أصوات متسارعة للباعة المتجولين وأصحاب البسطات، حالها كحال مختلف محافظات الوطن، التي عمها الإضراب الشامل؛ تضامنا مع الأسرى المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ 11 يوما.
ويوضح وائل التيتي (58 عاما) وهو صاحب محل لبيع الحلاوة والطحينية، أنه أغلق محله منذ الصباح التزاما بالإضراب للتضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام، قائلا: "هذا أقل واجب للتضامن مع من ضحوا بأرواحهم وأعمارهم في السجون من أجل قضيتنا العادلة".
وشهدت المدن الفلسطينية خلال انتفاضة الحجارة التي اندلعت عام 1987، التزاما صارما بالإضراب الشامل الذي كانت تدعو له القيادة الوطنية الموحدة وقتها.
ويستذكر التيتي عندما أغلق محله عام 87 في إضراب شامل عم المدينة، إثر استشهاد أربعة شبان في جباليا في قطاع غزة، قائلا: "ما أشبه اليوم بالأمس، الإضراب والتضامن الشعبي يأتي بنتائج إيجابية ويجبر الاحتلال على الخضوع لمطالب الأسرى".
ومعروف أن مدينة نابلس، وهي واحدة من كبرى المدن الفلسطينية، مشهورة بحركتها التجارية اليومية، إلا أن يوما مثل هذا كان كفيلا بتغير المشهد الضاج كليا.
المواطن أحمد حرز الله من البلدة القديمة، تحدث لـ"وفا" بأن التاريخ يعيد نفسه، فقضية إضراب الأسرى أعادت للأذهاب العصيان المدني الذي نفذه الفلسطينيون عام 87 رفضا لعنصرية وإجراءات الاحتلال القمعية.
وأضاف "لم أشهد هذا الالتزام الكامل بالإضراب منذ الانتفاضة الأولى، الجميع ملتزم، نتمنى أن تصل رسالة الأسرى للعالم حتى تتحقق مطالب الأسرى العادلة".
وكانت نقابة النقل والمواصلات، يوم أمس أعلنت أن اليوم سيكون يوم إضراب شامل وعام في كافة الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.