"معبر الذل"
يونس نزال........
إذا أردت أن تمرّ على "معبر الإذلال" لتوفر لأسرتك قوت يومها فلتنسى حياتك الأسرية، ولينسى أفراد أسرتكم وجودك بينهم، فالجلوس مع العائلة أو الخروج برحلة معها أصبح حلما بالنسبة للعامل.
يخرج العامل من منزله ويقضي أكثر من 12 ساعة ما بين انتظار الدخول إلى معبر قلقيلية، (الذي يفصل بين الأراضي المحتلة علم 1967 وأراضي 1948)، للعمل ثم العودة إلى المنزل، ليبدأ بالاستعداد لليوم التالي، وهكذا تمر الأيام على عمال فلسطين ممن يتوجهون للعمل في أراضي 1948.
حتى يمر على المعبر، على العامل التواجد في منتصف الليل حتى تبدأ مرحلة "الموت البطيء" للوصول إلى الجانب الآخر. يمر كل عامل بعدة مراحل تبدأ بالاصطفاف لعدة ساعات حتى يبدأ دوام من يتولون إدارة المعبر في الساعة الرابعة فجرا. أكثر من 10 الآف عامل ينتظرون في صفوف محصورة من الجانبين بالحديد وبمسافة لا تتجاوز 60 مترا، عشرات بجانب بعضهم والآلاف خلف بعضهم، فإن جاء دور العامل ووصل إلى بداية المعبر سالما، فستواجه ما يطلق عليها العمال "المعاطة" (نسبة إلى الماكنة التي تستخدم في تنظيف ريش الدجاج) وعددها ثلاثة، للإمعان في إذلال العمال، ثم جهاز كشف المعادن وآخر للتفتيش الجسدي، عدا عن التفتيش اليدوي. وفي حال الشك بشيء فسيوضع العامل في غرفة مغلقة لتفتيشه، وفي النهاية يتم تدقيق الهوية الشخصية والتصريح، فإن تعدى هذه المراحل سالما، عليه الصلاة شكرا لله،. هكذا وصف أحد العمال رحلة الإذلال على الحاجز.
أسعد صوان أحد العمال من بلدة إماتين شرق قلقيلية، قال إن ما يوجد ليس معاناة وإنما مأساة، فهناك عمال يبدؤون بالتواجد من الساعة 11 ليلا والساعة 12 ليلا حتى يستطيع الدخول مبكرا، وهذا يعني أن هؤلاء لا يرون لا زوجته ولا أولاد، ومنذ نهاية العمل يوم الخميس يبدأ العامل بالتفكير كيف سيتوجه إلى المعبر يوم الأحد، فهي القضية التي تشغل تفكير جميع العمال.
وأضاف صوان أنه وصل إلى المعبر الساعة الثانية والنصف فجرا، معتقدا أنه وصل مبكرا، وعند وصوله تفاجأ بوجود الآلاف من العمال.
وأوضح صوان أن ساعات العمل حسب القانون، 8 يوميا، لكن هنا يخرج العامل من منزله في منتصف الليل ويعود إلى منزله في الساعة الثامنة مساء، وهذا يعني أن العمل ووقت الانتظار يصل إلى 20 ساعة.
وطالب صوان بحلول عاجلة للتخفيف من معاناة العمال اليومية، مشيرا إلى أنه عندما يبدأ العمل بالمعبر تشاهد ما لم يمكن تخيله.
وأوضح عدنان عرباس من قلقيلية الذي يعمل منذ ربع قرن في أراضي 1948، أنه ينطلق من منزله في الساعة الرابعة فجرا، لكنه أكثر حظا من غيره فهو ينهي عمله في الساعة الثالثة بعد الظهر، لكنه لم يأت بسهولة، فالمشغل الإسرائيلي ولفترات طويلة كان يجعله يعمل لساعات إضافية بعد نهاية عمله وبدون أجر مقابل هذه الساعات، وعند مطالبته بالمقابل كان يتهرب.
وقال عرباس: معاناتنا اليومية هي بسبب الازدحام، فهناك 12 ألف عامل يمرون على المعبر، وصغر مساحة الانتظار والحواجز الحديدية على الجوانب وساعات العمل المحددة للوصول إلى العمل، تعرض العمال في أحيان كثير لإصابات، فلا يوجد عامل مر على هذا المعبر لم يتعرض لحادث، سواء رضوض أو كسور وقد توفي البعض أيضا.
وأضاف عرباس: بعد كل هذه المعاناة، هناك معاناة أخرى عند المطالبة بحقوقي كعامل من المشغل الإسرائيلي، فصاحب العمل يعترف بالأجر ولا يعترف بباقي الحقوق، كالإجازات مدفوعة الأجر أو الأعياد أو العطل الرسمية.
وتمنى عرباس أن يجد فرضة في الضفة الغربية وعدم التوجه للعمل في إسرائيل، لكن عند مشاهدة نسبة العاطلين عن العمل ومن ضمنهم حملة الشهادات الجامعية تجعله يتشبث بعمله مع كل ما يعانيه.
أما العامل سميح النيص، فأشار إلى أن العامل محروم من أشياء كثيرة وتعد بالنسبة له من الرفاهية، وأحدها الجلوس مع العائلة بسبب طول ساعات العمل، وهذا الأمر أكثر المشاكل التي يواجهها العامل بالإضافة للمعبر والمعاناة عليه.
وأضاف النيص أن من ضمن ما يعانيه العامل، عدم اعتراف المشغل الإسرائيلي بحقوقه، متمنيا أن تتغير الأوضاع على المعبر وأن يصبح الدخول إليه بطريقة أسهل.
بدوره، أوضح رئيس اتحاد نقابات عمال فلسطين- فرع قلقيلية محمود ذياب عامر، أن معبر العمال في قلقيلية افتتح بالأصل ليستوعب 3000 عامل، وحاليا يمر منه في الأيام العادية 12 ألف عامل على الأقل، وفي بداية الأسبوع يتجاوز العدد 15 ألف عامل، مشيرا إلى مطالبة الاتحاد المستمرة لتحسين المعبر وقدرته الاستيعابية.
وأضاف أن هناك لجنة من المتطوعين تابعة للاتحاد تنظم العمال في الصباح الباكر، وتتعامل مع الحالات الإنسانية والنسائية، وعددهم يصل إلى 86 عامل تلقوا تدريبات مكثفة من الاتحاد للتعامل مع جميع الحالات.
ــ
ha