تكشف الباطنية الحمساوية
كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة
قلنا، وكانت الوقائع والدلالات كلها تقول وتؤكد، ان حماس لم تكن ابدا، حركة مقاومة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولم يكن لها في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني المعاصر، اي وجود في دروب الكفاح المسلح (عمليات التفجير الانتحارية التي حققتها في تلك الايام التي كان يشتد فيها الصراع السياسي مع الاحتلال، لاجل التنفيذ الدقيق لبنود اتفاقيات اوسلو الانتقالية، لا علاقة لها بهذا الكفاح، ولا تحمل اي شيء من برامجه وقيمه النضالية والاخلاقية، وقد بات معروفا انها لم تكن تستهدف سوى شطب الرقم الفلسطيني الوطني الصعب، من معادلة الصراع السياسية مع الاحتلال، بشطب الزعيم الخالد ياسر عرفات، والايحاء بأنه ليس ذا صلة بعملية السلام، وهو ما تلقفته اسرائيل وراحت تردده قولا في خطاباتها السياسية والاعلامية، ما مهد لحصارها للزعيم الخالد، حتى بات اغتياله بعد ذلك ممكنا..!!) ولأنه لم يعد مسموحا لحماس القيام بمثل هذه العمليات، وقد اتضحت تماما كمشروع سلطوي لجماعة الاخوان المسلمين، الجماعة التي لا تتضمن برامجها صراعا مع اسرائيل، فإنها تحاول اليوم بوثيقة سياسية تقول انها جديدة، وهي ليست كذلك على الاطلاق، اعادة انتاج ذلك الايحاء نفسه، بأهدافه ذاتها، ضد الرئيس ابو مازن، وما يفضح هذه الغاية التآمرية، هذا التوقيت الذي اختارته حماس لاعلان وثيقتها السياسية، فلا مصادفة مطلقا بأن هذا الاعلان جاء عشية لقاء الرئيس ابو مازن مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب، اللقاء الذي سيعرض فيه الرئيس ابو مازن رؤية فلسطين للسلام العادل، وجاهزيتها على مختلف المستويات لتحقيقه، وبالحل الذي يراعي الحقوق التاريخية لشعبنا.
نعم لم يعد ثمة شك ان حماس لم تكن حركة مقاومة فعلا وحقا، وقد اجهزت اليوم بلسانها على مجمل خطاباتها الثورجية، بهذا الاعلان التسويقي الذي يريد افشال مهمة الرئيس ابو مازن في واشنطن، وقد كان ممكنا التصور ان هذه الوثيقة السياسية التي اعلنها خالد مشعل من قطر، بمثابة تفتح وعي سياسي، وادراك واقعي لسبل تسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، مع ملاحظة ان هذه الوثيقة لم تقم جديدا في هذا الاطار بقدر ما اعادت انتاج عناوين المشروع الوطني التحرري، الذي صاغته حركة فتح منذ اكثر من ثلاثين عاما، نقول كان بالامكان تصور الوثيقة الحمساوية على هذا النحو، لولا هذا التوقيت الذي اشرنا اليه والذي عززت حماس مراميه غير الوطنية، بالمهرجان الشعبوي الذي اقامته في غزة يوم امس، تحت شعار "ابو مازن لا يمثلني" فهذا ما يقطع الشك باليقين ان حماس ليست بوارد عودة الوعي ولا تفتحه في الساحة الوطنية، ولا هي قبل ذلك بوارد المصالحة وانهاء الانقسام، بل على العكس من ذلك تماما، فهي مع هذا المهرجان الشعبوي الذي اسقط مجمل القيم الوطنية والذي تسابق باخلاقيات منحطة للنيل من قامة الرئيس ابو مازن، قد ارتدت الى أسوأ ما في الوعي المتخلف، من سلوكيات وتعابير، وبكامل لغته المحمومة ..!!!
ومن باب التوضيح فحسب، فإن المهرجان الشعبوي هذا في جانبه الاستعراضي، واحد من تعابير لغة التهديد والوعيد التي تعودتها حركة حماس دونما اي فعل، فهي لم تكن يوما عندها، إلا كمثل لغة الشاعر الفرزدق، وفقا لتجليات المجاز، ورحم الله الشاعر جرير الذي كشف عن خوائها حين قال: "زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا / ابشر بطول سلامة يا مربع" ونشير الى هذا الامر لنذكر وعلى سبيل المثال لا الحصر، ان حماس حين اغتيل الفقها الشهر الماضي وهو واحد من قيادات القسام قالت بلغة التهديد ان ردها على هذا الاغتيال سيكون ما تراه اسرائيل لا ما تسمعه (..!!) ولا رد حتى هذه اللحظة لا بالفعل الذي يُرى ولا بالصوت الذي يُسمع، والاوضح من ذلك، حين اغتالت اسرائيل الشيخ المؤسس احمد ياسين، توعدتها حماس بردود مزلزلة، لكن ما ثمة زلازل حدثت غير زلازل الحروب العدوانية الثلاث التي شنتها اسرائيل على قطاع غزة، والتي لاتزال اثارها المدمرة شاخصة حتى اللحظة ..!! والمغزى في هذا التذكير ان حماس ليس بوسعها ان تغادر لغتها، ولا تفتح للوعي تاليا يمكن ان يطالها ..!!
يبقى ان نقول ان وثيقة حماس السياسية ليست للخديعة وانما هي الخلاصة التي اظهرت باطنيتها السياسية على حقيقتها كمشروع سلطوي لجماعة الاخوان المسلمين لايريد سوى شطب منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لا اكثر ولا اقل ..!!، لكن وبقدر ما اخفقت رسائل التفجير في شطب الرقم الوطني الفلسطيني الصعب من معادلة الصراع، فان محاولة هذه الوثيقة بهذا التوقيت وذلك المهرجان ساقطة لا محالة، وقد جنت براقش حقا على نفسها.