"عيد الخضر"... تآخي وتوارث بين الأجيال
عنان شحادة
وسط البلدة القديمة في بلدة الخضر جنوب بيت لحم، وتحديدا منطقة " التل"، يقف الداخل إليها أمام مشهد التآخي بين أبناء الشعب الواحد، دير يقابل مسجد.
ويشكل عيد الخضر "القديس جورجيوس" مناسبة دينية وطنية يحتفل به أبناء الشعب دون تمييز على مدار يومي الخامس والسادس من أيار، يؤدون فيه معا طقوسا توارثوها عن آبائهم وأجدادهم.
في ساحة الدير جلست الحاجة سهام قصص "أم حسين" من مخيم الدهيشة جنوبا، وقد أحاط بها عدد من أبنائها وأحفادها جاؤوا ليحتفلوا بالعيد.
وتقول الحاجة السبعينية قصص، إنها تحتفل بعيد الخضر منذ أكثر من ستين عاما كإرث للجميع وهو مناسبة يجمعنا كشعب فلسطيني في محافظة بيت لحم وخارجها.
وقالت إنها تتذكر أن أول مرة احتفلت بالعيد عندما هجرت من قريتها قرب غزة، ووصلت مع أسرتها إلى مخيم الدهيشة، وقتها حضرته مع والديها وأخوتها، لافتة إلى أنه كان يشكل تجمعا للمواطنين، يحضرون الأكل ويقضون يومهم بالكامل في أرض الدير والأراضي القريبة منه.
وتابعت: "أتذكر أن والدي كان يصحبنا إلى داخل الكنيسة ونشعل شموعا ضمن طقوس العيد".
وتابعت: "حافظت على هذا الإرث وها أنا أحضر برفقة أحفادي، تأكيدا مني على الحفاظ على هذا الموروث، ولتعليمهم أن الشعب الفلسطيني واحد"، مؤكدة "أنه لا يمكن لأحد أن يميز بيننا، وهذه نعمة من الله".
وفي إحدى زوايا الدير، وقف الرجل المسن اسحق عبدو "أبو خضر" ابن مدينة بيت لحم وهو يشعل شمعة "تقربا إلى الشفيع سيدنا الخضر".
ويقول إنه كان يحضر مع والديه ويجلسون تحت أشجار الزيتون المحيطة بالدير، ويشاركون أول يوم في "الشطحة" كما يطلق عليها، ثم "أداء الصلاة وممارسة بعض الطقوس وكان المسيحي يحتفل مع المسلم".
وتابع أبو خضر: "بعد أن تزوجت في سبعينيات القرن الماضي، نذرت على نفسي أن أذبح رأس غنم إن رزقني رب العالمين ولد، وبالفعل قمت بذلك في دير الخضر وبحمد من الله جاءني الولد يوم عيد الخضر، فسميته خضر تيمنا بسيدنا الخضر".
وأردف: "قصتي مع سيدنا الخضر لم تقف عند ذلك، بل تواصلت قدسيته مع ابنتي سيده التي أصيبت في صغرها بفشل كلوي تواصل على مدار 18 عاما، فأجريت لها عملية جراحية في العراق لكنها لم تنجح".
وتابع أبو خضر: "في عام 2002 قررت التوجه بها الى جمهورية مصر العربية لإجراء عملية زراعة أخرى لها، لكن قبل ذلك ذهبت إلى دير الخضر وقدمت نذرا عبارة عن رأس غنم تقربا من سيدنا الخضر، وبعدها غادرت إلى مصر".
ويقول: "في مصر ذهبت الى كنيسة العذراء في حي الزيتون بالقاهرة وقدمت مبلغا من المال كنذر لدفع البلى عن ابنتي، وأجريت العملية وبحمد الله شفيت وهي الآن بصحة جيدة ولا تعاني من آلام وبعدها عدت إلى دير الخضر وقدمت نذرا، وفي كل عام اقوم بإنارة الشموع".
من جانبها، قالت سيده "أنا دوما كل أسبوع في يوم الأحد أحضر إلى دير الخضر وأشعل الشموع".
وعلى باب الدير من الجهة الجنوبية، وقف طفل لا يتجاوز عمره عامين إلى جانب جده يلبس زي "سيدنا الخضر" المكون من ألوان الأحمر والأخضر والذهبي.
وقال سمعان خليلية من مدينة بيت جالا، في السبعينات من عمره، "نذرنا إذا رزق ابني بولد أن نلبسه زي سيدنا الخضر، وبالفعل قمنا بذلك وهذا سيتواصل على مدار عام".
ويمارس المحتفلون بعيد الخضر طقوسا دينية "تقربا للقديس حيورجيوس" مثل القلادة الحديدية، وقص الشعر، ولباس الخضر، وخبز القداديس، والنذور بالأغنام، وزيت الزيتون، والسير حفاة.