القدس القديمة: مدينة كئيبة لم تصلها نجمة الميلاد!
(سي إن إن): كعادتها بشوارعها الضيقة، محلاتها وزوارها، تعيش مدينة القدس يومها كباقي الأيام، فالمدينة المكتظة ببضائعها وتجارها تزاحم الوقت في عجل لبيع ملابس هنا، أو بضعٍ من حلوياتها لزائر هناك، ووسط انهماك الجميع واستعجالهم، تبدو المدينة وكأنها نسيت عيد الميلاد، فلا شجرة أو ضوء يزين شوارعها، ولا فرحة خاصة تسكن المدينة وأبنيتها العتيقة.
فحتى محلات التحف والتذكارات المنتشرة بكثرة على مداخل كنيسة القيامة وبجوارها، لم تحو شجرة للميلاد تزين واجهاتها، لا ضوء، ولا "بابا نويل" يوزع الحلوى على الأطفال، كما لم تحو أية زوار رغم اكتظاظ الأسواق.
باعة التحف الذين يملؤون محلاتهم بكل ما يتمناه السائحون من تذكارات للمدينة ومسجدها، لمغارة الميلاد وطفلها، يعانون من نقص في أعداد الزوار، فهذا أبو يوسف يقول "محلي يقع في مكان بارز من السوق ويحوي كل ما يتمناه السائحون من تماثيل ومجسمات أثرية، مسابح وصور، تذكارات وهدايا، ولكن لم يدخله أي سائح منذ ساعات الصباح".
أبو يوسف الذي بدا عليه الملل الشديد وهو يقرأ جريدته التي قلبها عدة مرات أكمل قائلا: " هذه الحركة التي تراها في المدينة هي حركة كاذبة، أي أن السائحين هم أعداد ومتجولون فقط، لكنهم لا يشترون شيئا".
وقال تاجر أخر: "محلي هو من أقدم المحال في السوق وأنا أعلم أنه في هذه الأوقات من السنة لا يتغير شيء على المدينة، فعدم الاهتمام بعيد الميلاد وزينته ناتج عن توجه السائحين إلى مدينة بيت لحم للاحتفال بعيد الميلاد هناك، فلا حاجة للزينة أو الأضواء".
وأضاف قائلا: "الأزمة الاقتصادية العالمية أثرت على أعداد الوافدين بشكل ملحوظ، وألقت بظلالها على القدرة الشرائية للسائحين، فحتى السائح الذي يتمكن من الوصول للأراضي المقدسة يحاول عدم شراء الكثير من التذكارات على عكس ما كانت عليه الأوضاع في السابق".
أحد السائحين الذي كان في طريقه لكنيسة القيامة قال: "نحن نأتي هنا لزيارة كنيسة القيامة، وطريق الآلام ونكون ضمن مجموعات مع دليل سياحي، وقتنا في الزيارة محدود، وجدولنا مليء بالزيارات، فنفضل أن نتسوق بعد انتهاء الجولات أو في أوقات الاستراحة، ولهذا فنحن نمر من الأسواق بسرعة".
بيت لحم مدينة اكتست بأجمل الألوان في استقبال عيد الميلاد
نفضت مدينة بيت لحم عن كاهلها ذكريات سنة مضت لتعود سيدة الذكريات وتكسو نفسها بكل ما طاب للعين من ضياء، فالمدينة التي تستقطب اهتمام العالم أجمع في هذه الأوقات من السنة، لم تبخل على نفسها بالتحضير جيدا لاستقبال زوارها من الحجاج والمحتفلين بعيد ميلاد السيد المسيح.
فبيت لحم التي تمتاز باحتضانها لكنيسة المهد ومغارتها، لم تتأخر عن إعلان عيد هو عيدها، فسعت لإدخال أجواء البهجة على المدينة وأحيائها، فنظمت مهرجانا فنيا لاستقبال العديد من الفرق والفنانين المحلين والعالمين لتسلية زوارها، زينت الأشجار ونشرت الأضواء في مختلف أرجائها.
لكن المدينة التي حاولت جاهدة استقبال زوارها بمزيد من التفاؤل والأمل، عادت لتعيش واقعها، وأبت إلا أن تذكر الاحتلال، فهي ما زالت محاصرة بجدار الفصل العنصري الذي يفسد رونق زينتها ويعيق السائحين من الوصول إليها، ما شكل سببا مقنعا بالنسبة لمتطوع فرنسي وأصدقائه المحليين لصنع شجرة ميلاد تمثل جدار الفصل العنصري، إضافة لإحاطتها بسلك شائك، علقت عليه قنابل الغاز المسيل للدموع، وهي التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي، لفض المسيرات المناهضة للجدار.
الشجرة التي وضعت بجانب شجرة الميلاد الكبيرة تهدف بحسب أحد المتطوعين "إلى توعية الحجاج إلى جدار الفصل العنصري الذي يحيط بالمدينة المقدسة، ويحاول منع أضواء عيدها من الوصول إلى العالم".
وفي ساحة المهد أيضا، مهرجان موسيقي وزوار، حجاج وسائحون، حضور وعازفون، لكن الساحة تبدو وكأنها تمتلئ بالزوار تارة وتفقدهم تارة أخرى، فهذا الياس جقمان مالك أحد محال التحف المحيطة بالكنيسة وساحتها يقول: " بيت لحم لن تمتلئ بالزوار إلا في ليلة عيد الميلاد وتستمر لغاية أسبوع، فهذه عادة المدينة، رغم وجود السائحين في هذه الفترة إلا أن العمل قليل ويكاد يكون معدوما، ونحن ننتظر ليلة العيد".
أما فادي أبو عيطة مدير أحد فنادق المدينة فقد قال: " الزوار في هذه الفترة معظمهم من عرب فلسطين المحتلة عام 1948، وهم في هذه السنة يزورون المدينة بشكل أكبر من السنوات السابقة، ما شكل زيادة ملفتة لأعداد الوافدين، الزوار الأجانب أعدادهم قليلة لهذا العام، وهم يأتون عادة للصلاة في ليلة العيد لكن لم تبق أي غرف فندقية شاغرة في المدينة".
مدينة بيت لحم تنتظر ليلة عيدها بمزيد من التفاؤل والاشتياق، فهو بالنسبة لها يوم واحد من العام، لا يمكن أن يمر دون أن يسمع كل سكان الأرض باسمها، أو يصلوا لأجلها، ولأجل طفل ولد قبل ألاف السنين في مغارة مهدها،فهي لبست ثوب عيدها، جاهزة للاستقبال، وللاحتفال بالميلاد.
تقرير عاهد جرايسة