غزة: رواد "السجادة الحمراء" يدوسون "وعد بلفور"
سامي بو سالم
ما أن بدأت الشمس تسكب أشعتها الصفراء في بحر غزة وقت الأصيل حتى داست مئات الصنادل والجِزَم، البالية والفخمة، بجميع المقاسات، النص الحرفي لـ"وعد بلفور" مطبوعا على سجادة حمراء، للإعلان عن انطلاق مهرجان "السجادة الحمراء الثالث لأفلام حقوق الانسان"، مساء امس الجمعة.
عكاكيز ودواليب كراسي متحركة، زاحمت الأحذية في السير على 200 متر طول السجادة، الممتدة على جزء من مرسى الصيادين ومذيلة بتوقيع وزير خارجية بريطانيا في العشرية الثانية من القرن الماضي آرثر جيمس بلفور.
وينطلق المهرجان، الذي سيستمر خمسة أيام، في حيفا ورام الله وغزة وستنضم كل من يافا والناصرة والقدس لتشارك في العروض، كما قال الناطق باسم المهرجان، الشاعر سائد السويركي.
وافتُتح المهرجان بفيلم "اصطياد الأشباح" للمخرج رائد أنضوني، الذي يعرض فيه قضية علاج جماعي لأسرى فلسطينيين سابقين في السجون الإسرائيلية.
واختير الفيلم للافتتاح ليواكب الإضراب عن الطعام الذي يخوضه زهاء 1700 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية منذ السابع عشر من نيسان الماضي.
وسيعرض في المهرجان 45 فيلما اختارتها اللجنة المنظمة من بين زهاء 100 فيلم وصلت اللجنة من فلسطين ومختلف أنحاء العالم.
وقال الناطق باسم المهرجان، سائد السويركي، إن توقيت افتتاح المهرجان يتزامن مع مهرجان "كان" الذي ينطلق في فرنسا في أيار من كل عام.
"في مهرجان كان يسير النجوم من ممثلين ومخرجين على السجادة الحمراء، أما هنا فالنجم هو المواطن المقهور والمُهمَّش،" يقول السويركي.
شاشة ضخمة أمامها صفوف النُّظارة على كراسي في الجزء غير المرصوف من الرصيف، البحر عن يمينهم ومكعبات اسمنتية عن يسارهم استخدمها حضور كمدرجات سينما.
وغطى بعضهم رؤوسهم بأطراف جاكيتاتهم ليتقوا قطرات البحر الناتجة عن ارتطام الموج بالمكعبات.
اعتلت فرقة "بني آدم" الموسيقية المكعبات وقدمت أغنيتين تحذ الأولى على إحياء الفنون والثانية تعرض قصة شاب هَجَر غزة.
أزهار صبح (21 عاما)، احدى الحاضرات، قال إنها لم تدخل دار سينما في حياتها قط وأتت هنا "لتجرب السينما".
وأضافت صبح التي لم تغادر قطاع غزة طوال حياتها إنها ترغب في السفر لعدة أسباب أهمها "تشوف شي غير غزة وتخش سينما".
صاحب الكرسي المدولب، فتحي حميد (44 عاما) طلب من ابنه، الذي يدفع الكرسي، أن يلتقط له صورة وهو يدوس "وعد بلفور". قال إنه آت لمشاهدة المهرجان ويكسر الروتين اليومي لغزة.
بعد الانتهاء من فعاليات الافتتاح الرسمية أخذ شبان يتقافزون على خشبة حفل الافتتاح ويلتقطوا صور ذاتية "سيلفي" أمام وسم "#بدنا_نرجع" الذي اعتمدته لجنة المهرجان.
"نريد العودة لوطننا ولإرثنا الحضاري ونريد العودة لوحدة الصف، نحن نحب الحياة"، قال السويركي.
وحول علاقة وعد بلفور بمهرجان أفلام قال السويركي إن وعد بلفور أسقط عن الشعب الفلسطيني كل شيء بما في ذلك البعد الحضاري، فكان للفلسطينيين مسرح وسينما وموسيقى دمرها بلفور ودمر علاقتهم بالمنجز الحضاري الإنساني.
"العودة لحقل فني هو إصرار على الالتحام بالإرث الإنساني الذي تحاول إسرائيل أن تسلخنا عنه أو تُظهر أن لا علاقة لنا به،" قال السويركي.
وتقول الوثائق التاريخية إن وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور أرسل رسالة إلى اللورد ليونيل روتشيلد في 2 تشرين ثاني 1917 [عُرفت بوعد بلفور] يؤكد فيها تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وطالبت منظمة التحرير الفلسطينية في تشرين ثاني الماضي بريطانيا بالاعتذار والتكفير عن "جريمة العصر" وما سببته لمآسي للشعب الفلسطيني جراء الوعد.
وكان مسؤولون فلسطينيون قد صرحوا أنهم يخططون لمقاضاة بريطانيا. وطالبت المنظمة من بريطانيا أن تطلق وعداً جديداً للشعب الفلسطيني على أن تساعده ليعيش حراً في وطنه القومي.
ولن يحضر مخرجو وممثلو الأفلام بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عشر سنوات.
"في المهرجانين السابقين حاولنا ورفض الاحتلال وماطل،" قال السويركي.
وانطلق مهرجان "السجادة الحمراء" الأول في 2015 حي الشجاعية بين أنقاض آلاف المنازل المدمرة.
ويحظى المهرجان بالترتيب الثاني والأربعين عالميا والثاني عربيا بعد الأردن، وفقا للسويركي.
وقال ناهض سليم (46 عما) الذي يعمل مدرسا للتربية الفني إنه جاء بدافع الفضول والحنين.
"كنت فتى قبل ثلاثين عاما وأذكر السينما في غزة، نأمل أن تعود.
أما الصياد الصغير، بكر (16 عاما)، فقد وصل بعربة يجرها حمار يمشي على السجادة الحمراء وقال إنه جاء للصيد ولا يهتم بالسينما.
وانتشرت في قطاع غزة قبل ثلاثة عقود نحو عشر دور سينما أُغلقت مع اندلاع انتفاضة كانون 1987.
لكن تُنظم أحيانا بعض الأنشطة السينمائية النادرة في أماكن مغلقة غير مخصصة للعرض السينمائي.
ha