النكسة.. ذكريات ووجع
جويد التميمي
يستذكر المواطن نبيل شبانه (49 عاما) في الذكرى الخمسين لنكسة حزيران عام 1967، حديث والده المرحوم تميم، الذي فقد كافة افراد عائلته اثناء توجهه من مدينة الخليل الى الأردن برفقة عدة عائلات من المدينة.
وقال لــ"وفا": استقل والدي والعائلات شاحنة آنذاك هروبا من الحرب، لكن طائرات الاحتلال لم تمهلهم حتى يصلوا نهر الاردن ويعبروه، فقتلتهم في منطقة الخان الأحمر شمال شرق مدينة القدس المحتلة ...، لم ينجو منهم الا والدي الذي كان راكبا في مؤخرة الشاحنة ممسكاً بيديه بابها الخلفي.
واضاف حسب ما روى له والده: أطلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية، حممها صوب الشاحنة التي كان يستقلها والدي واخوتي نبيل وجمال وابتسام وزوجة والدي خديجة وعدة عائلات منها ابو شمسية والشويكي لتحرقهم وتقتلهم جميعا، النيران اتت على جميع اجزاء الشاحنة وجعلت جميع ركابها جثثا متفحمة.
وتابع بحرقة، "بقي والدي وحده على قيد الحياة لأنه كان واقفا على الباب الخلفي، فعندما قصفت الطائرات الشاحنة طار والدي في السماء من شدة الضربة الأولى التي ألقت به على بعد عشرات الأمتار بجانب جدار حجري شيد في المكان، حسب ما روى والدي لنا".
اسهب شبانه قائلا لــ"وفا" "أصيب والدي بجروح وحروق في جميع اجزاء جسده لكنه نجا من الموت المحقق، وكتبت له حياة جديدة، حيث عثرت عليه في اليوم التالي الطواقم العاملة في اللجنة الدولية للصليب الاحمر آنذاك، وقدمت له الاسعافات الأولية ونقلته للعلاج في المشفى حتى تعافى من جروحه وحروقه الجسدية ... لكن جرح قلب ابي الذي سكن داخله جراء فقده عائلته امام عينيه بقي نازفا حتى توفي".
وتابع: تزوج والدي عقب الفاجعة التي ألمت به، وأنجب سبعة اطفال، 4 ذكور و3 إناث، حتى أنه كرر أسماء اخواني الذين استشهدوا آنذاك فكانت له عائلة جديدة بنفس الأسماء، لكن ألمه لم ينس ولم يندمل حتى آخر يوم في حياته".
وفي حكاية اخرى، روى الحاج صلاح بيوض "ابو علاء" (60 عاما) مشاهد النكسة لـ"وفا" قائلا "هجر أهالي الخليل منازلهم يوم الخامس من حزيران 1967م متوجهين صوب الكهوف والوديان للاحتماء بها، كما ان عشرات العائلات هاجرت خارج المدينة وقضت نحبها جراء قصفها من قبل الطائرات الإسرائيلية اثناء مغادرتها وهي في طرقات الضفة الغربية، وآخرون قصفتهم الطائرات اثناء عبورهم نهر الاردن "المخاضه" وكثيرون غرقوا في النهر لعدم قدرتهم على السباحة واجتيازه، كانت أيام عصيبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى".
واضاف ابو علاء: قليل من العائلات التزموا مساكنهم بعد أن اتموا طلاء نوافذ منازلهم باللون الازرق كي لا يرى منها الضوء، وكانت عائلتي ضمن العائلات التي توجهت الى واد الهرية في ساعات المساء من ذاك اليوم، حملنا القليل من الاغطية والفراش الى الكهوف والوديان وجلسنا ننتظر قدرنا، تركنا ماشيتنا وممتلكاتنا وطيورنا، لم نأبه بشيء لشدة الكرب الذي كنا فيه مثل جميع العائلات والاهالي.
وتابع، "في ذات الوقت وردت معلومات للأهالي أن ضابط الكتيبة الاسرائيلي التي توجهت لاحتلال الخليل قال لجنوده وهم في منطقة عيون العصافير الواقعة قرب مخيم العروب شمال المحافظة "انتم ذاهبون الى مدينة يأكل أهلها لحوم البشر قتلوا اجدادكم ونهبوا اموالكم"، كان هدف ضابط الكتيبة تحريض جنوده ضد أهالي المحافظة الى اقصى الدرجات ...، دخل الجنود الخليل واحتلوها من محورين، احدهما عبر منطقة الرأس شرق المدينة، والآخر من مدخل الخليل الشمالي رأس الجورة وتزامن ذلك مع اطلاق كثيف للرصاص من قبلهم".
وعقب احتلالهم الخليل فرضوا منع التجول عدة ايام ومن ثم اصبح المنع لساعات إلى أن رفع المنع وفرض الاحتلال هيمنته بالقوة على جميع اجزاء الخليل والبلدات المحيطة بها كما القدس وكافة محافظات الضفة الغربية.