أزمة الكهرباء تقتل الحياة الطبيعية في قطاع غزة
محمد أبو فياض
"انقلب الليل لنهار.. الكهرباء نصيب... البرنامج عشوائي.. ما عاد لنا وقت ننظمه. انعدمت حياتنا الطبيعية... ما عاد في وقت محدد لهذه الحياة".
عبارات باتت تكررها ربات البيوت، والمزارعين في قطاع غزة، جراء استمرار انقطاع التيار الكهربائي لساعات تفوق 12 ساعة، مقابل أربع ساعات وصل يوميا.
وقتل تفاقم أزمة الكهرباء الحياة الطبيعية في قطاع غزة، وزادت من معاناة الموطنين، وتهدد حياتهم بشكل جدي.
فجر اليوم الاثنين، وتحديدا الساعة الثانية إلا ربع، كان يمكن رؤية ربة البيت أم يوسف من بلدة القرارة، وهي تهرول مسرعة، لإنجاز غسيلها، فور وصول التيار الكهربائي.
أم يوسف تحرص على انجاز الغسيل قبيل وجبه السحر، حتى تتمكن من استغلال وصل التيار الكهربائي حتى السحر، وتناول الوجبة برفقة صغارها على نور الكهرباء، فنادرا ما يتناولون أي من وجبتي السحور، أو الفطور، في ظل وصول التيار الكهربائي.
ليس ببعيد عن قصة ربة البيت هذه، فهذا سليم أبو أحمد من ذات البلدة بقي سهرانا حتى وصول التيار، كي يتمكن من ري مزروعاته، ويتمنى أن يبقى التيار الكهربائي موصولا، حتى الانتهاء من ري جميع المزروعات، والتي تمت حتى وجبة السحور.
أما طالب الثانوية عامر عمر، فيتمنى انتهاء اختباراته، كي ينهي معاناته من هذه الأزمة، التي تحول دون مذاكرته لدروسه بشكل طبيعي، حتى أنه لا يعرف وقتا محددا للنوم، ولا حتى للدراسة، بل ويضطر للمذاكرة على كشاف جهاز جواله.
ويعانى المواطنون في القطاع من خفض ساعات وصل الكهرباء إلى 4 ساعات يوميا فقط، مقابل 12 ساعة قطع.
ووفقاً لشركة توزيع الكهرباء في غزة، تبلغ احتياجات القطاع من الطاقة الكهربائية حالياً 450 ميغاوات، متوفر منها 120 ميجا وات (26.7%) فقط، فيما بلغ العجز 330 ميغاوات (73.3%).
وأشارت الشركة إلى أن الكهرباء المتوفرة هي فقط من الخطوط الإسرائيلية، أما الخطوط المصرية فهي متعطلة، ومحطة التوليد متوقفة عن العمل. وتعود أزمة الكهرباء الحالية إلى توقف محطة الكهرباء عن العمل بسبب نفاد كميات الوقود اللازم لتشغيلها.
وتعقيبا على ذلك، أعرب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في تقرير له حول هذه الأزمة، عن قلقه الشديد من تداعيات أزمة الكهرباء على الأوضاع الانسانية في قطاع غزة، مؤكدا أن تقليص ساعات وصل التيار الكهربائي منذ نحو شهرين، أدى إلى تدهور خطير في مستوى الخدمات الأساسية للمواطنين كافة، وخاصة الخدمات الصحية، وخدمات صحة البيئة، بما فيها إمدادات مياه الشرب، وخدمات الصرف الصحي، كما أدى إلى تدهور العمل في المنشآت الصناعية والتجارية، وتسبب في مزيد من التدهور الاقتصادي، الذي يعاني منه القطاع.
وجاء في بيان للمركز، أنه بات من الواضح أن الجهات المشرفة على قطاع الكهرباء لا تمتلك أية حلول حقيقية للحد من أزمة الكهرباء في القطاع، ما يشير إلى فشلها في إدارة هذا القطاع الحيوي، والهام، لحياة نحو 2 مليون فلسطيني، وقد ترتب على ذلك تدهور خطير في مستوى الخدمات الأساسية.
واضطرت وزارة الصحة إلى تقليص خدماتها التشخيصية، والمساندة، بسبب تفاقم أزمة الكهرباء، والنقص الحاد للوقود اللازم، لتشغيل مولدات المستشفيات.
ووفق البيان، انعكست أزمة الكهرباء سلبا على تقديم الحد الأدنى من خدمات المياه، والصرف الصحي للمواطنين في القطاع، وباتت تخلق أزمات كبيرة في معالجة مياه الصرف الصحي، وانقطاع المياه لفترات طويلة تجاوزت 4 أيام عن العديد من المناطق.
وأعلنت مصلحة مياه بلديات الساحل "أن استمرار هذه الأزمة سيؤدي إلى تخفيض عمل آبار المياه، ومحطات ضخ المياه إلى 60%، ومحطات التحلية إلى 80% من طاقتها".
وأفاد مدير عام مصلحة المياه في غزة المهندس منذر شبلاق "بأن تقليص ساعات وصل التيار الكهربائي، تسبب بتداعيات، وآثار سلبية كبيرة، على خدمات الصرف الصحي في قطاع غزة"، محذرا المواطنين من السباحة على شاطئ بحر غزة هذا الصيف، بسبب عدم تمكن مصلحة المياه والبلديات من معالجة مياه الصرف الصحي، قبل أن يتم ضخها لمياه البحر، ولا يمكن معالجة مياه الصرف الصحي خلال 6 ساعات، أو 4 ساعات فقط من الكهرباء، بالشكل الأمن.
وأورد البيان الحقوقي: يعاني طلاب المدارس والجامعات، وخاصة طلاب الثانوية العامة من التأثير السلبي لانقطاع الكهرباء في هذه الفترة الحساسة مع نهاية العام الدراسي، وتقديم الامتحانات النهائية.
وأعلنت وزارة التربية والتعليم العالي "أن انقطاع الكهرباء يؤدي إلى صعوبة التواصل بين المدارس، والمديريات، والوزارة، خاصة في البرامج المحوسبة، مثل النشرات، والتعليمات، ويؤثر سلباً في مجال إعداد، وطباعة الامتحانات، وتشغيل مبنى الوزارة، والمديريات، وإذاعة صوت التعليم التي تواكب الآن المراجعة الخاصة بالتوجيهي".
كما أدى انقطاع الكهرباء لساعات طويلة إلى تدهور العمل في المنشآت الصناعية، التي تعتمد في آلية انتاجها على الطاقة الكهربية، وقلصت المنشآت التجارية ساعات عملها، وأدى ذلك إلى مزيد من التدهور الاقتصادي الذي يعاني منه القطاع.
وشدد المركز الحقوقي، على أن قطاع غزة ما زال اقليماً محتلاً، ويترتب على سلطات الاحتلال مسئوليات تجاهه، مطالبا السلطات المحتلة بالوفاء بالتزاماتها القانونية تجاه سكان القطاع المدنيين، كونها سلطات محتلة بموجب قواعد القانون الإنساني الدولي، والعمل على كفالة وصول كافة الخدمات الأساسية الضرورية اللازمة لحياة سكانه، بما في ذلك إمدادات الوقود اللازم لإعادة تشغيل محطة كهرباء غزة والطاقة الكهربية.
وحذر من العواقب الوخيمة المترتبة على استمرار الأزمة على كافة القطاعات الحيوية، بما فيها الخدمات الأساسية التي يحتاجها 2 مليون فلسطيني من سكان القطاع، كإمدادات مياه الشرب، وتعطل المرافق الصحية، بما فيها المستشفيات، والمراكز الطبية، وعمل محطات الصرف الصحي، وقطاع التعليم.
وكانت جمعية "چيشاه–مسلك"(مركز للدفاع عن حريّة التنقل– هي مؤسسة حقوق إنسان إسرائيلية)، قالت في تقرير سابق لها: إن الخطر يتربص بقطاع غزة جراء أزمة الكهرباء.
ووفق تقرير الجمعية الإسرائيلية، فإن تواصل أزمة الكهرباء في غزّة تضع السكان أمام خطر حقيقي، في ظل تعطل المحطة، فالكهرباء الإسرائيلية تشكّل نحو 80 في المئة من مجمل كمية الكهرباء المتوفرة في القطاع.
وأضافت: إذا قررت إسرائيل قطع التيار الكهربائي، سيضطر سكان قطاع غزّة البالغ عددهم مليوني نسمة للاكتفاء بالكهرباء التي يتم شراؤها من مصر، بمقدار 28 ميغاواط، والتي تشكل نحو 13 في المئة من كمية الكهرباء، التي تتوفر عادة في قطاع غزة.
وكانت الجمعية، قالت في تقرير مشابه أصدرته، الشهر الماضي: إن أزمة الكهرباء في قطاع غزّة، تسببت بتدهور تزويد المياه، وتدفق كميات هائلة من المجاري غير المعالجة إلى البحر، وعمل المستشفيات في خطر.
وجاء في التقرير وقتها، أن "إسرائيل، باعتبارها الجهة المسيطرة على الكثير من جوانب الحياة المدنية في غزّة، وسيطرتها مستمرة من دون انقطاع منذ خمسين عامًا، هي مسؤولة بشكل كبير عن تدهور حالة البنى التحتية في القطاع، وعليها أن تعمل فورا لإيجاد حلول، وعدم الاكتفاء بالإبلاغ عن المشاكل".
وأشار التقرير إلى أن الأزمة الحالية ليست أزمة مفاجئة، بل نتيجة لتدهور تدريجي يستمر منذ قرابة عقدين من الزمن، وينبغي على جميع الجهات تحمل المسؤولية، وعلى إسرائيل أن تتعاون من أجل ترميم، وتحسين البنى التحتية المدنية في القطاع، وإتاحة الحياة اللائقة للسكان، بدلا من الاكتفاء بتدبير الأمور بين أزمة، وأخرى.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قد حذر بأنه في حال استمرار هذا التقليص الخطير في تزويد الكهرباء، فإن المستشفيات العامة الـ144 في أرجاء القطاع ستضطر إلى وقف تقديم خدمات حيوية؛ فخزانات الوقود المخصصة لتشغيل المولدات في تلك المستشفيات ستنتهي خلال أسبوع، كما ورد في التحذير.