علي الكوفية علي و لولح فيها
حمزة الحطاب
باستحياء بات عرض الكوفية الفلسطينية على مناص المحال ووجهاتها التجارية، وغدت في مرمى تهديد حقيقي من شبيهاتها الملونة والدخيلة، التي غزت الأسواق الفلسطينية بقوة، في محاولة لتشويه أو إلغاء تاريخ الكوفية الفلسطينية ، التي ارتبطت منذ الأزل بالتاريخ الفلسطيني بما فيه من نضال وكفاح.
عبد العزيز النتشة تاجر خليلي يقول إن الإقبال على الكوفية الملونة 'الدخيلة' ذات الصناعة الصينية قل حالياً مقارنة بسنوات سابقة، وهذا الموسم يشهد إقبال ضئيلا وضعيفا جداً عليها، العوامل التي روجت للكوفية الملونة كانت كونها بضاعة جديدة، ورخص ثمنها كونها فتباع بخمسة وثمانية شواقل، في حين أن الكوفية الفلسطينية المصنعة محلياً يبلغ ثمنها ما بين ثلاثين إلى خمسين شيقل.
ويضيف النتشة: 'نحن كتجار نفضل بيع الصنف الذي يتماشى أكثر مع رغبة المشترين ، مع العلم أننا لا نترك الكوفية الفلسطينية كونها من التراث، ففي الشتاء يكثر الطلب عليها، فيرتديها الصغار والكبار على حد سواء، أما في فصل الصيف فيقتصر لباسها على كبار السن، كما تشكل الكوفية أفضل هدية ممكن أن يشتريها ويقدمها المغترب الفلسطيني في حال عودته للغربة لأهله وأصدقائه'.
الحطة، الشماغ، الكوفية، كوفية الختيار، مسميات لوشاح الرأس والرقبة، الذي بات رمزاً لنضالات الفلسطينيين، وذلك منذ الشرارة الأولى لثورتهم ضد الاستعمار البريطاني في العام 1936، ومنذ ذلك الوقت جمعتهم الكوفية تحت خيوطها، لتشكل رمزاً عظيماً رافقهم وما يزال في مختلف مراحل حياتهم.
يقول عزام سياج تاجر مختص ببيع المقتنيات التراثية: 'طبعاً لم ولن تؤثر الكوفية الملونة على الكوفية الفلسطينية، ومستحيل أن تؤثر عليها، لأن الكوفية الفلسطينية تمثل تراث شعب ووطن، كما تمثل كثيرا من أبناء المجتمع داخل الوطن، فصعب جداً أن تؤثر الكوفية الأجنبية على الكوفية الفلسطينية، وحالياً الإقبال على الكوفية الملونة أقل بكثير من الإقبال على الكوفية الفلسطينية، وما نتمناه من الإخوان المنتجين للكوفية الفلسطينية منافسة أسعار الكوفية الأجنبية'.
كما يستذكر سياج أن جذور الكوفية الملونة بدأت من منطقة العراق وأفغانستان، بعدما توشحها الجنود الأجانب المشاركين في غزو هذه البلاد، حيث كانوا يضعوها على رقابهم، ومن ثم تطورت بألوانها المتعددة وانتشرت في بلادنا.
وبخصوص الاستمرار في بيع الكوفية الملونة قال سياج: 'نعم نحن مستمرون في بيع الكوفية الملونة، لأن ذلك يشكل مصدر رزق لنا ليس أكثر، ولكن نحن لا نقول بأنها تمثل الشعب الفلسطيني أو ستمحي الكوفية الفلسطينية، هذا مستحيل، فالكوفية الفلسطينية تتميز بجودة عالية'.
الكوفية التي انتشرت في المجتمع الفلسطيني، وراجت كثيراً منذ بداية القرن الماضي تنبه لزيادة الطلب عليها الحاج ياسر الحرباوي، فأسس مصنعه الخاص الذي لا ينتج غير الكوفية الفلسطينية، وكان ذلك في العام 1961، ليغطي حاجة السوق المتعالية داخلياً وخارجياً لطلب الكوفية.
يقول جودي الحرباوي صاحب مصنع ينتج الكوفيات في الخليل: 'أسس والدي المصنع بعد ملاحظته للطلب المتعالي على الكوفية الفلسطينية، كونه كان تاجراً وكان يستوردها من الخارج، فطرأت له الفكرة، وأسس المصنع بماكينتين، بعدها أخذ المصنع يكبر ويتطور حتى أصبح لديه 15 ماكينة، وأخذ يغطي حاجة السوق المحلي والخارجي على حد سواء'.
مصنع الحرباوي وبالرغم من توفر الآلات فيه، إلا أن قسما منها لا يعمل، نتيجةً لضعف التسويق مقارنة مع السنوات السابقة، بسبب المنتج الجديد 'الكوفيات الملونة' التي غزت السوق الفلسطينية والأسواق العالمية.
يضيف الحرباوي: 'الطاقة الإنتاجية للآلات من 30% إلى 40%، وعدد قليل من الآلات تعمل وهذا بسبب استيراد الكوفية من الخارج، والكوفية المستوردة رخيصة الثمن مما لا يسمح بخلق جو من المنافسة، أوضاعنا حالياً أفضل مما كانت عليه بالسابق، طورنا بعض المرافق والآلات في المصنع وطورنا من جودة الكوفية، واستطعنا العودة للسوق وأخذ حيز حتى لو كان بسيط'.
كما بين الحرباوي أنه سيتابع العمل في إنتاج الكوفيات، ولن يتوقف، وذكر أن لديه ثقة بأن يعود المجد للكوفية الفلسطينية الوطنية وللصناعة المحلية ، مؤكدا بأنها ستعود لاكتساح السوق وسيعود لها عزها .
لا تواجه الكوفية الفلسطينية فقط المنتج الجديد والملون من الكوفيات، والذي يندرج تحت مسمى الموضة، بل تحارب أيضاً التزييف والسرقة الإسرائيلية، من خلال ترويج الكوفية التي تحمل النجمة السداسية واللون الأزرق باعتبارها إرثاً حضارياً للإسرائيليين.
الدكتور شريف كناعنة رئيس مركز دراسات التراث والمجتمع الفلسطيني، يرى أن من مصلحة الإسرائيليين تذويب الرموز الوطنية الفلسطينية، ولا يستبعد قيامهم بمثل هذه المحاولات لتزوير الكوفية، ولكنه أكد من تتبعه وتفحصه للكوفيات والحطات الملونة، بأنه لم يجد أي منها مصنوع في إسرائيل .
وبخصوص رمزية الكوفية قال كناعنة: 'رمزية الكوفية من رمزية صاحبها، وهو المرحوم أبو عمار، فهو من أصبح رمزا للشعب الفلسطيني ونضاله، والكوفية أصبحت رمز الرمز ومن هنا دخلت التراث الفلسطيني'.
وبين كناعنة بخصوص مطالبة المسؤولين الفلسطينيين باللباس الكوفية وخاصة في المحافل الدولية، أن بعضا من الشخصيات القيادية مطالبة بلبس الكوفية، فمن خلال ذلك نستطيع تذكير العالم برموزنا.