القدّاس الأخير
بدوية السامري
وقف راعي الكنيسة الأسقفية في نابلس الأب ابراهيم نيروز، قبل القداس الأخير له في نابلس، على أعلى درج الكنيسة الذي اعتاد صعوده يومياً ليقرع الجرس لآخر مرة هنا، قبل أن يؤدي الصلاة الأخيرة له في كنيسة القديس فيليبس الأسقفية في شارع النصر داخل البلدة القديمة في نابلس، قبل أن ينتقل لمدينة السلط في الأردن.
عدد من الحضور الذين بدت عليهم ملامح الحزن، قدموا من مدينة نابلس وخارجها لوداع الأب، الذي حسب رأيهم، كان إنسانا رائعا مميزاً، أثر بكل من التقاه، وله بصمته أينما حل.
ويقول نيروز وهو في لباس الصلاة تحضيرا لتقديم قداسه الأخير على الحضور: بعد عشر سنوات في نابلس أغادرها اليوم، سأنتهي من الصلاة وأرحل، وسأترك المحبة وإحساسي لكل قطعة هنا وكل شخص قابلته، وأنضم الى جميع الذين كانوا هنا وصلّوا هنا وخدموا هنا، وأكملوا رسالتهم في مكان آخر.
ويضيف: نابلس مدينة العيش المشترك لديانات ثلاث، السامرية والمسيحية والإسلامية، وجدت فيها نفسي، ووجدتها تربة خصبة لأحقق قناعاتي وإيماني في المجتمع الذي أكنّ له كل احترام وتقدير.
ويقول: خروجي من فلسطين كخروج السمكة من الماء، ففلسطين وطني وحياتي ولي فيها أجمل الذكريات، خصوصا مدينة نابلس التي حظيت بمكانة خاصة في قلبي، لكنّي ملتزم بالخدمة وطاعة المطرانية أينما حللت، وسأقدم رسالتي السامية أينما كنت.
ونيروز من مواليد مدينة رام الله في العام 1966، درس في مدارس رام الله وانتقل لدراسة العلوم اللاهوتية الإنجيلية في القاهرة، وتخرج من هناك.
وقال نيروز لـ"وفــا" إنه عاد الى فلسطين وأكمل دراسته للماجستير، الأول في الآثار الإسلامية من جامعة القدس في أبو ديس، والثاني، آخر الدراسات العربية المعاصرة من جامعة بير زيت.
وأصدر نيروز 4 كتب، وهي "كشف المفقود من كنائس عابود"، و"رام الله جغرافيا تاريخ وحضارة"، و"النهضة الروحية في العبادة الفسحية" ورواية "عالم مختلف جداً". وقام بالتدريس في جامعة بيت لحم وكلية الكتاب المقدس، ومنذ العام 2007 وهو راعي الكنيسة الأسقفية في نابلس.
ويشير نيروز إلى أن عائلته "نيروز" عانت كثيرا، فهي عائلة مهجّرة من مدينة يافا في العام 1948 عندما كان عمر والده 10 سنوات، وجده إبراهيم شهيد ميناء يافا وقتلته القوات البريطانية في العام 1938. أما جده والد أمه فهو من أقدم المقاتلين والأسرى في العام 1948 حتى عام 1950، فعائلة نيروز قدمت الكثير من أجل الوطن، ولا بد أن يكون هو كذلك محبا لوطنه وعاشقا لأرضه.
وتقول روضة بصير، التي قدمت من القدس خصيصا للمشاركة بالصلاة ووداع الأب نيروز، إن للأخير حضور مميز في نابلس، ولعب دورا توحيديا، بأن لا فواصل بين الديانات والفئات.
وأضافت أنه أبرز دوره الوطني الملتزم بقضايا شعبه، وكان له حضور دائم في المناسبات الاجتماعية والدينية، ومدّ جسور الأخوة بين الطوائف الثلاث التي تعيش في نابلس، كما لعب دورا إنسانيا في مجالات عدة، وملتزم بكثير من القضايا، وستفتقده نابلس كثيرا.
وكانت بلدية نابلس نظمت حفل وداع وتكريم للأب نيروز في وقت سابق، وقال محافظ نابلس أكرم الرجوب، إن "الأب نيروز رجل تحلى بالفكر والانتماء، وامتلك ثقافة وطنية وأخلاقية، ولم يكن عنصريا بفكره وممارسته، بل كان وحدويا إلى أبعد الحدود، وسعى دائما إلى تعزيز فكرة الحوار، لذلك يجب أن يشكّل نموذجا لما يجب أن يكون عليه رجل الدين".